يبدو أن العالم على أعتاب أزمة تكنولوجية جديدة، بعدما شدّدت الصين قبضتها على أحد أهم مفاتيح الصناعة الحديثة: المعادن الأرضية النادرة، التي تشكّل العمود الفقري للتقنيات المتقدمة من السيارات الكهربائية إلى الهواتف الذكية والأنظمة الدفاعية.
فقد فرضت بكين قيوداً صارمة على صادرات هذه المعادن، ما تسبب في تراجع كبير في حجم الشحنات العالمية وأثار مخاوف متزايدة من تباطؤ التطور التقني في حال استمرار القيود لفترة طويلة. هذه الخطوة اعتُبرت بمثابة إشارة إنذار مبكر لاقتصادات كبرى تعتمد على الإمدادات الصينية بشكل شبه كامل.
وأظهرت البيانات الأخيرة أن صادرات الصين من المعادن الأرضية النادرة تراجعت بنسبة 31% على أساس شهري في سبتمبر/أيلول 2025 لتصل إلى نحو 4000 طن فقط، وهو أدنى مستوى منذ فبراير من العام ذاته. ويعد هذا التراجع الثالث على التوالي، ما يعزز الانطباع بأن بكين بصدد إعادة صياغة سياساتها تجاه هذا القطاع الاستراتيجي.
ورغم أن الأرقام السنوية ما زالت تشير إلى ارتفاع بنسبة 13% حتى الآن مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذه البيانات لا تعكس بعد التشريعات والضوابط الجديدة التي أعلنتها الحكومة الصينية الأسبوع الماضي، والتي من المتوقع أن يكون تأثيرها أوسع وأعمق في الأشهر المقبلة.
تُعتبر الصين المزوّد الأول عالمياً لهذه المعادن الحيوية، إذ تنتج نحو 70% من الخام العالمي وتتحكم في 91% من عمليات التكرير، بينما تستحوذ على 94% من إنتاج المغناطيسات النادرة المستخدمة في الصناعات الدقيقة مثل السيارات الكهربائية، والطائرات المسيرة، والأجهزة الإلكترونية المتقدمة.
ويحذر خبراء الصناعة من أن استمرار هذه السياسة قد يؤدي إلى شلل جزئي في سلاسل الإمداد العالمية، خاصة في ظل الارتفاع الحاد في كلفة التعدين والتنقية خارج الصين، والمخاطر البيئية المصاحبة لهذه العمليات. ورغم أن المعادن الأرضية النادرة – وعددها 17 عنصراً – ليست نادرة فعلياً من حيث الوفرة الطبيعية، فإن السيطرة على إنتاجها وتنقيتها وضعت الصين في موقع الهيمنة شبه المطلقة.
وبحسب تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، فإن الولايات المتحدة اعتمدت بين عامي 2020 و2023 على الصين لتأمين نحو 70% من وارداتها من المعادن النادرة ومركباتها. ويُقدّر بنك غولدمان ساكس أن تعطيل 10% فقط من الإنتاج في الصناعات التي تعتمد على هذه العناصر قد يتسبب بخسائر تتجاوز 150 مليار دولار من الناتج الاقتصادي الأميركي.
وبينما تتسابق الدول الصناعية لإيجاد بدائل ومصادر جديدة لتأمين هذه المواد الحيوية، تبقى بكين اللاعب الأكثر تأثيراً في معادلة التكنولوجيا العالمية، في وقت يبدو فيه العالم أكثر ارتباطاً – وأكثر هشاشة – أمام قراراتها الاقتصادية.