عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال قمة شرم الشيخ إلى ملف النفط العراقي، لكن بأسلوب يختلف عن تصريحاته السابقة التي كانت تتحدث صراحة عن “السيطرة على نفط العراق”. هذه المرة، جاء التحذير على شكل تذكير بأن العراق قد يواجه مشاكل إن لم يُحسن إدارة موارده النفطية، مع التشديد على أن البلاد تمتلك كميات هائلة من النفط الخام، ما يجعلها لاعباً أساسياً في ساحة الطاقة الإقليمية والدولية.

يتجاوز التحذير مجرد السياسة المباشرة، ليعكس توجه واشنطن نحو التأثير غير المباشر عبر شروط إدارة النفط، بحيث يصبح الالتزام بالحوكمة، انتظام الإنتاج، الشفافية في العقود، وتحويل العوائد إلى مشاريع كهرباء وتنمية، معياراً لتقييم مدى مصداقية العراق أمام القوى الكبرى.

في المقابل، تواصل الشركات الصينية تعزيز حضورها في الحقول العراقية، حيث تشير التقديرات إلى أنها تسيطر على نسبة كبيرة من الإنتاج عبر عقود التشغيل في حقول كبرى مثل الرميلة وغيرها. هذا التوسع الصيني يزيد من أهمية التزام بغداد بمعايير الشفافية والتنظيم، لتوازن بين مصالح الولايات المتحدة وحضور الصين المتنامي في السوق العراقية.

تأتي هذه التحولات في وقت بدأ فيه الاستثمار الأميركي يعود تدريجياً إلى العراق، بعد فترة انكماش ناجمة عن هجمات على المصالح الأجنبية. وتعرض عودة الشركات الأميركية للاستثمار كفرصة لإعادة بناء العلاقات مع واشنطن، بما يشمل حماية التشغيل، ضمانات قانونية واضحة، ومسارات تمويل وتقنية تدعم تشغيل الحقول والمشاريع التصديرية.

على الأرض، يتحول النفط العراقي من مجرد مورد طبيعي إلى معيار قوة تفاوضية. كل تحسين في انتظام الإنتاج وشفافية العقود يعزز موقع العراق، وكل إخفاق يفتح المجال أمام الشركات الصينية لتوسيع نفوذها. وبذلك، لم يعد السؤال الرئيسي حول من يملك النفط، بل حول من يملك القدرة على إدارته بكفاءة وحوكمته بما يحوّل الوفرة النفطية إلى قوة استراتيجية تحمي مصالح العراق الوطنية وتوازن بين النفوذ الأميركي والصيني.

في المحصلة، يبدو أن الرسالة الأميركية واضحة: النفوذ لا يأتي من السيطرة المباشرة، بل من القدرة على إدارة النفط وفق معايير واضحة وعادلة، تضمن التوازن بين الاستثمار المحلي والدولي، وتحوّل الثروة النفطية إلى أداة قوة وطنية واستراتيجية، تعزز قدرة العراق على لعب دور فاعل في الاقتصاد الإقليمي والعالمي.