منصة واضح - متابعة
دعا "معهد بروكينجز" الأميركي، دولة سوريا، إلى الاستفادة من "الفرصة الثمينة للتعلم من جارها الشرقي"، أي العراق، خصوصا الدرس المتعلق بفكرة الفيدرالية التي تبناها العراقيون لإدارة انقساماتهم الداخلية والحفاظ على وحدتهم"، حيث أنه بينما يأتي الدعم الدولي ويذهب، إلا أن "الاستقرار الحقيقي والوئام الاجتماعي لن يأتيا إلا من خلال توافق داخلي".
وبداية، لفت المعهد الأميركي، في تقريره، إلى مناسبتين، الأولى في 5 تشرين الأول/أكتوبر الحالي حيث انتخبت هيئة كان الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع قد عينها، ثلثي أعضاء ما يسمى الجمعية الوطنية التي ستعمل على صياغة دستور دائم خلال الشهور الـ30 المقبلة. أما المناسبة الثانية هي إن شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي يصادف الذكرى الـ20 للاستفتاء على الدستور العراقي.
وأشار التقرير الأميركي إلى أوجه التشابه بين العراق وسوريا من حيث التنوع العرقي والديني، والماضي البعثي، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، وتجربة الصدمة المتعلقة بالعقوبات وداعش، مضيفا أن كل هذا "يتيح لسوريا فرصة ثمينة للتعلم من جارتها الشرقية، وأن من أبرز هذه الدروس، الرهان على الفيدرالية، النموذج الذي تبناه العراق لإدارة انقساماته الداخلية والحفاظ على وحدته".
وبعدما لفت التقرير إلى أن استفتاء العراق على الدستور في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005 والذي شابه الوجود العسكري الأميركي، قال التقرير أن ذلك عكس ايضا محاولة بقيادة عراقية هدفها استعادة السيادة وإرساء عقد اجتماعي شامل.
وتابع التقرير قائلاً إنه مثلما كان الحال في سوريا حاليا، فقد كان العراق يعمل في السابق تحت ظل دستور مؤقت، مضيفاً أن قانون إدارة الدولة الانتقالية، الذي وضع تحت سلطة بول بريمر، اعتمد على إسهامات من المعارضة العراقية في المنفى، ولم يعكس الأصوات الوطنية العراقية المتعددة، إلا أن قادة العراق، بمن فيهم آية الله العظمى علي السيستاني والمرجعيات الدينية في النجف، دفعوا باتجاه تحقيق عملية دستورية بقيادة عراقية، تقود إلى انتخابات لاختيار هيئة تمثيلية لصياغة الدستور، واستفتاء وطني لكي تتم المصادقة عليه.
والآن، يقول التقرير إنه بينما يعمل السوريون على صياغة دستورهم دون أي ضغوط من جانب احتلال أجنبي، إلا أنه يتحتم على الحكومة السورية الجديدة أن تسترد سيادتها من الفصائل الداخلية المنقسمة، وأن تواجه ضغوط داعميها الخارجيين والولايات المتحدة، معتبرا أن هذا الوضع يمنح سوريا مزايا محددة مقارنة بالعراق، إلا أنه من الضروري الضروري أن يتحقق الدستور السوري، من خلال مفاوضات السوريين وكتابتهم و تشريعهم له.
وأشار التقرير إلى أن أحمد الشرع هو الذي صادق على الدستور السوري المؤقت والذي سيطبق لمدة 5 سنوات، والذي يعكس رؤيته لسوريا لمرحلة ما بعد حكم البعث، وهو يحدد الإسلام مركزيا في هوية الدولة، لكنه لا يشير إلى الديمقراطية.
ولهذا، اعتبر التقرير أنه سيتحتم على السوريين، الذين كافحوا ضد الاستبداد طوال أكثر من عقد، أن يضمنوا إن دستورهم الدائم سيعكس أفكارهم ومصالحهم المتنوعة، وأن تتم المصادقة عليه، مذكرا بأن الانتخابات التي اجريت مؤخرا لاختيار ثلثي أعضاء الجمعية الدستورية، بعيدة كثيرا عن الديمقراطية، حيث جرى استبعاد محافظة السويداء والمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، منها.
وأضاف أنه يتحتم على المجتمع المدني في سوريا، الذي صقلته سنوات المنفى والمعارضة، أن يشدد على ضرورة القيام بخطوات مثل الاستفتاءات لضمان تأييد واسع وضمان شرعية الدستور الدائم.
وعلى الرغم من أن "بروكينجز" اعتبر أنه من الصعب لوجستيا تنظيم انتخابات عامة خلال فترات انتقالية تتسم بالعنف، إلا أنه ذكر بأن العراقيين خاضوا انتخاباتهم في ظل هجمات انتحارية يومية واضطرابات.
ورأى التقرير الأميركي أن العراقيين، مثلما هو الوضع مع السوريين حاليا، كانوا حريصين على السير باتجاه مستقبل جديد بعيدا عن أهوال النظام البعثي.
ولفت إلى أنه لم تشارك كل شرائح المجتمع العراقي في الحماس الشعبي للدستور والتغيير، مذكرا بأن زعماء السنة قاطعوا الانتخابات الأولى، والتي كان هدفها التصويت على هيئة لصياغة الدستور، وتحتم دعوة ممثلي السنة إلى هذا المجلس لضمان تمثيلهم، لكن في وقت لاحق، صوتت المحافظات التي بها أغلبية سنية، بأغلبية ساحقة ضد الدستور، إلا أنها لم تتمكن من إلغائه.
وبحسب التقرير، فإن الكرد والشيعة استفادوا من الدستور الجديد، مذكراً بأن الكورد الذين تمتعوا بحكم شبه ذاتي منذ العام 1991، يتمتعون بميزة تنظيمية ونفوذ كبيرين، ونجحوا في ترسيخ حكمهم شبه الذاتي دستوريا من خلال هيكل فيدرالي جديد للدولة، بينما دعمت الاغلبية الشيعية هذه الجهود الكوردية.
وأضاف التقرير أنه بعد عقود من الاضطهاد البعثي، بما في ذلك حملة ابادة جماعية في ثمانينيات القرن الماضي، فإن الفيدرالية شكلت السبيل الوحيد لضمان قبول الكورد للدولة العراقية الجديدة.
ومع ذلك أقر التقرير بالتحديات التي كانت قائمة موضحا أن الفيدرالية كانت مفهوما جديدا بالنسبة للعراق، وقد واجه تطبيقها تحديات عديدة طوال سنوات.
وتابع قائلاً إنه برغم الانتقادات، إلا أن الدستور ساهم في الحفاظ على وحدة أراضي العراق، مشيراً في هذا السياق إلى تجربة استفتاء الاستقلال التي جرت في إقليم كوردستان العام 2017، حيث لم تتسامح الحكومة الاتحادية في بغداد مع هذه الخطوة، بل ولجأت إلى الدستور للدفاع عن عدم شرعيته.
إلا أنه رغم هذه التحديات، قال التقرير إن الدستور العراقي ساهم في ضمان حقوق الكورد، مشيراً إلى أنه بعدما اضعف استفتاء العام 2017 إقليم كوردستان في مواجهة بغداد، إلا أن الدستور حمى الوضع الفيدرالي للإقليم، مضيفا أنه سواء ازدادت بغداد قوة أو ضعفا، فإن الدستور كان الضامن لسيادة الدولة وحقوق مكوناتها، مما يحول دون حصول الانفصال.
والآن، يقول التقرير إن سوريا تواجه التحدي نفسه المتمثل في حكم دولة متعددة عرقيا ودينيا، انبثقت من رحم ديكتاتورية، لافتاً إلى أنه على غرار العراق في العام 2003، فإن الكورد السوريين يحكمون انفسهم منذ أكثر من عقد، ولهذا فإنه سيكون اقناعهم بالتخلي عن حقوقهم، صعباً جداً.
وبعدما أشار التقرير إلى أن الشرع دعا مرارا إلى دولة مركزية، وإلى تعثر المفاوضات بينه وبين قوات قسد التي يقودها مظلوم عبدي، حيث يؤكد الكورد إنهم يسعون إلى ضمان حقوقهم وليس الانفصال، لفت إلى لقاء خاص جرى مع الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي كان من معارضي صدام حسين، حيث شدد رشيد على أن العراق يدعم التغيير في سوريا ويأمل في عملية ديمقراطية شاملة، إلا أنه يتحتم على السوريين أنفسهم أن يحددوا الشكل الإداري الذي ينبغي أن تتخذه.
وبحسب التقرير، فإن تصريحات الرئيس العراقي، تعكس النجاح النسبي للنموذج الفيدرالي العراقي. متابعاً أن النظام الفيدرالي يحافظ على الهوية الثقافية للمنطقة، مع السماح بحكم محلي أكثر كفاءة وقوة، بالإضافة إلى أنه يسمح للحكومات المحلية بإدارة إعادة الإعمار والخدمات الاجتماعية من دون الحاجة إلى الخضوع لمسؤولين في عاصمة بعيدة، مضيفا أن النظام الفيدرالي يضمن تحقيق حياة أفضل ومواطنة متساوية للكل.
لقد أتاح الدستور العراقي المجال لتكوين أقاليم اتحادية أخرى في العراق تتجاوز إقليم كوردستان، مثل محاولات البصرة والتي وأن منيت بالفشل، إلا أنه ينبغي لسوريا أن تتعلم من التجربة العراقية وتسعى منذ البداية إلى إقامة فيدرالية موحدة وواسعة.
وذكر التقرير أن تحمل الفيدرالية تمثل ثقلا رمزيا قويا بالنسبة للفئات المهمشة تاريخيا، موضحا أن الدستور العراقي يعترف بمختلف الأعراق واللغات، ويرفع اللغة الكوردية إلى مستوى اللغة الرسمية، وأنه حتى لو بدت هذه مجرد تغييرات طفيفة، إلا أنها تعكس التزاما بوطنية شاملة حرم منها لعقود في ظل الهيمنة العروبية البعثية.
إلا أن الشرع، كما يقول التقرير، يبدو عازما على رفض هذه المبادرات الرمزية، مثلما يتضح من القرار الذي اتخذته السلطة السورية الجديدة مؤخرا، بعدم الاعتراف بعيد النوروز الكوردي، كعطلة رسمية في سوريا.
ولهذا، خلص التقرير إلى أنه برغم اختلاف التركيبة السكانية للعراق وسوريا، إلا أن كلا البلدين يتسمان بتنوع عرقي وديني، ولهما تجارب متشابهة مع الاستبداد البعثي، مضيفا أنه في كثير من الأحيان، ينظر إلى تنوعها على أنه ضعف ودليل على دولة مصطنعة.
إلا أن التقرير بينما أكد أن بناء الدولة ومفهوم المواطنة بين سكان متنوعين يمثل مهمة شاقة، إلا أنها تتيح أيضاً فرصاً واعدة، ويجب على قادة سوريا، الذين صعدوا من ساحة المعركة إلى السلطة السياسية، أن يدركوا أنه في حين أن الدعم الدولي سيأتي ويذهب، إلى أن الاستقرار الحقيقي والوئام الاجتماعي لن يتحققا إلا من الداخل وعبر التوافق الداخلي.
وختم قائلاً إنه "يجب أن يتوصل السوريون إلى توافق حول مستقبل الدولة السورية، والدستور هو تجسيد لهذا التوافق، حيث أن الفيدرالية، في حال جرى تطبيقها بشكل صحيح، ستشكل السبيل الأمثل للمضي قدما".