يشهد الشرق الأوسط مرحلة جديدة من إعادة التشكيل السياسي والأمني، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية في فضاء يمتد من طهران إلى دمشق مرورًا ببغداد. ومع انحسار الصراع العسكري في سوريا وبروز ملامح نظام سياسي ذي طابع جهادي-مدني، تراجعت حرارة التحالف الإيراني–السوري الذي صمد طوال سنوات الحرب، ليحل محله ما يوصف بـ"البرود الاستراتيجي".

في هذا المشهد، تبرز بغداد كلاعب محوري يسعى إلى هندسة تقارب محتمل بين الحليفين السابقين، مستفيدًا من موقعه الجغرافي الفريد وصلاته الدبلوماسية المفتوحة مع الطرفين، في محاولة لإعادة ضبط موازين القوى الإقليمية ضمن معادلة أكثر استقرارًا وتوازنًا.

ويُعتقد أن العراق يمتلك القدرة على لعب دور الوسيط في التقريب بين طهران ودمشق، خصوصًا مع تعدد القنوات الرسمية التي تربطه بالعاصمة السورية، من خلال زيارات واجتماعات رسمية تهدف إلى فتح قنوات الحوار بين الطرفين.

ويشير التقدير إلى أن العراق يمكنه تسهيل التواصل إذا توفرت الرغبة السياسية من الأطراف المعنية، غير أن إيران قد تؤجل أي خطوة علنية لتجنب الإحراج أمام جمهورها الداخلي، بسبب المواقف المتشددة لبعض التيارات ونظرتها تجاه الحكومة السورية الحالية.

أي تقارب محتمل يحتاج إلى حسابات دقيقة ومصالح واضحة، فيما يرى محللون أن حالة الجمود الحالية قد تنكسر قريبًا في ظل المصالح المشتركة بين الطرفين.

وتشير المعلومات إلى أن بغداد تعمل على تقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية وإيران تمهيدًا لعقد صلح سياسي محتمل، بعد سلسلة من اللقاءات والمفاوضات التي أعادت رسم خطوط التحالفات القديمة، في وقت بدأ فيه الدور الروسي في سوريا يشهد تعديلًا لصالح ترتيبات جديدة بمشاركة أطراف عربية وغربية.

في هذه المرحلة، يبدو أن العراق يسعى لتثبيت موقعه كوسيط توازن إقليمي، محاولًا استثمار التحولات الكبرى في المنطقة لإعادة التموضع دبلوماسيًا، وترسيخ دوره كجسر سياسي بين العواصم المتنافسة، في وقت تتقاطع فيه مصالح الطاقة والسياسة والأمن على أرضه.

بهذه المعادلة الدقيقة، تواجه بغداد اختبارًا مهمًا في هندسة السياسة الإقليمية: هل ستنجح في تقريب وجهات النظر بين طهران ودمشق، أم ستبقى محاولاتها محصورة في إطار وساطة محدودة؟