مع اقتراب تفعيل عقوبات "آلية الزناد" على إيران، يجد العراق نفسه أمام اختبار استراتيجي بالغ التعقيد، يمتد أثره من الاقتصاد إلى السياسة الداخلية والإقليمية، ويشكل تحديًا وجوديًا لمستقبل دوره في المنطقة. إذ يُعد العراق الشريك التجاري الأكبر لطهران، مرور مليارات الدولارات سنويًا عبر حدوده في قطاعات الطاقة والغاز والمواد الغذائية. أي التزام صارم بالعقوبات الأممية قد يُكبّد البلاد خسائر كبيرة ويثير ضغوطًا داخلية تتعلق بالكهرباء والأسواق، بينما قد يُعرض أي انتهاك للعقوبات العراق لمواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، ويمهد الطريق أمام ضغوط أمريكية وغربية قد تؤثر على تحالفاته ومكانته الإقليمية.

وتتحول القضية من مجرد مسألة اقتصادية إلى معضلة سياسية شاملة: كيف يوازن العراق بين حاجاته الاستراتيجية وعلاقاته التاريخية مع إيران، وبين الالتزام بالشرعية الدولية ومصالحه مع القوى الكبرى؟ هذا السؤال قد يحدد ملامح دوره داخليًا وخارجيًا في المرحلة المقبلة، ويحدد قدرته على الحفاظ على استقراره السياسي والاقتصادي في ظل ضغوط متصاعدة.

تشير التحليلات إلى أن آلية الزناد تحوّل العقوبات المفروضة سابقًا على إيران إلى عقوبات أممية مُلزِمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ما يزيد الضغوط على الدول التي لم تلتزم سابقًا بالعقوبات، ويحد من تعاملها التجاري مع إيران، لا سيما في قطاع النفط. ورغم أن التأثير المالي المباشر للعقوبات الجديدة قد لا يكون كبيرًا، بعد أن قطعت العقوبات السابقة قنوات تغذية الاقتصاد الإيراني بالدولار والعملات الصعبة، فإن خطورة آلية الزناد تكمن في استخدامها كأداة سياسية وقانونية لعزل إيران أكثر من المجتمع الدولي، ورفع سقف الضغط الدولي عليها بشكل غير مسبوق.

على الصعيد الداخلي، ستضطر إيران لتفعيل خطط طوارئ تعتمد على سياسات تقشفية وضبط الإنفاق العام وتعزيز ما يُعرف بـ"اقتصاد المقاومة"، مع محاولة فتح قنوات جديدة مع الحلفاء الإقليميين، على الرغم من محدودية قدرتهم على دعمها ماليًا واقتصاديًا.

دبلوماسيًا، قد تقدم إيران بعض التنازلات في ملفها النووي والصاروخي، لكنها لن تكون كافية لتحقيق اختراق تفاوضي حقيقي، إذ أن الشروط الغربية هذه المرة أكثر صرامة وغير قابلة للمساومة كما في الفترات السابقة. ومع هذا، يظل العراق الحلقة الأضعف في معادلة العقوبات الأممية، الأكثر تأثرًا سياسيًا وتجاريًا بهذه التحولات المعقدة، ويقف أمام اختبار دقيق لموازنة مصالحه الاستراتيجية مع التزامات المجتمع الدولي، وسط تحديات اقتصادية وضغوط سياسية غير مسبوقة.