شهدت العاصمة الجورجية تبليسي، السبت، توتراً واسعاً بعدما حاول محتجون اقتحام القصر الرئاسي بالقوة، في وقت تدخلت فيه قوات الأمن باستخدام رذاذ الفلفل ومدافع المياه لتفريق المتظاهرين وإبعادهم عن محيط القصر، بالتزامن مع انطلاق الانتخابات البلدية التي اتسمت بغياب أبرز كتل المعارضة.
وحاولت مجموعة من المحتجين، استجابة لدعوات شخصيات من المعارضة الموالية للغرب، التقدم نحو القصر الرئاسي، وسط هتافات تطالب بـ“ثورة سلمية” ضد حزب الحلم الجورجي الحاكم، الذي يتهمه خصومه بالتزوير في الانتخابات السابقة وبالابتعاد عن المسار الأوروبي.
واندلعت المواجهات قبيل إغلاق صناديق الاقتراع، حيث انتشرت قوات مكافحة الشغب في محيط القصر الرئاسي مستخدمة القوة لاحتواء التوتر ومنع المحتجين من اقتحام المبنى. وتأتي هذه التطورات في ظل احتقان سياسي متصاعد تشهده جورجيا منذ العام الماضي، حين بدأت المعارضة بتنظيم احتجاجات متكررة للمطالبة بإصلاحات سياسية وضمان نزاهة الانتخابات.
وتزامنت الاحتجاجات مع تدهور العلاقة بين تبليسي والاتحاد الأوروبي، بعدما جُمّدت عملية انضمام جورجيا إلى الاتحاد عقب حصولها على صفة دولة مرشحة في ديسمبر 2023، بسبب خلافات متزايدة بين بروكسل والحكومة الجورجية حول قضايا الحكم والشفافية. كما تم تعليق الدعم المالي الأوروبي البالغ 30 مليون يورو المخصص من “مرفق السلام الأوروبي” لعام 2024.
وفي تصريح سابق، شدد رئيس الوزراء الجورجي إيراكلي كوباخيدزه على أن بلاده تلعب “دوراً استراتيجياً لأوروبا”، مؤكداً أن “جورجيا عنصر مهم في استقرار المنطقة وأمنها”.
وفي خضم الأزمة السياسية، جاء حكم محكمة تبليسي الأربعاء الماضي ليزيد من حدة التوتر، بعدما قضت بسجن الرئيس الجورجي الأسبق ميخائيل ساكاشفيلي تسع سنوات جديدة، بعد إدانته باختلاس أموال عامة. ويقضي ساكاشفيلي حالياً حكماً سابقاً بالسجن ست سنوات بتهمة إساءة استغلال السلطة، منذ عودته إلى البلاد عام 2021 بعد فترة قضاها في أوكرانيا.
وقالت المحكمة إن ساكاشفيلي أنفق نحو تسعة ملايين لاري جورجي (ما يعادل 3.2 مليون دولار أميركي) على نفقات شخصية من ميزانية الدولة، شملت إقامات فاخرة وزيارات لمنتجعات صحية ومشتريات شخصية له ولحلفائه المقربين. وأظهرت مشاهد بثها التلفزيون اضطراباً في قاعة المحكمة بعد النطق بالحكم.
ودان فريق الدفاع وعدد من الشخصيات المعارضة الحكم، مؤكدين أنه ذو دوافع سياسية، في حين ترى الحكومة أن القضية تعكس التزامها بمكافحة الفساد وعدم إفلات أي مسؤول من المحاسبة.
ويعد ميخائيل ساكاشفيلي من أبرز الشخصيات التي غيّرت مسار جورجيا في مطلع الألفية، إذ قاد إصلاحات واسعة خلال توليه الرئاسة بين عامي 2004 و2013، وأعاد توجيه البلاد نحو الغرب، قبل أن تنتهي ولايته بأزمة داخلية وحرب قصيرة مع روسيا عام 2008.
ومع تصاعد الغضب الشعبي، يبدو أن جورجيا تقف اليوم على مفترق طرق سياسي جديد، بين ضغوط المعارضة الساعية لاستعادة زخمها الشعبي، وحكومة تحاول الحفاظ على استقرارها الداخلي في ظل توتر العلاقات مع أوروبا، ومطالب دولية متزايدة بالإصلاح والشفافية.