منصة واضح - بابل
سلّطت "صحيفة الفن" الدولية المتخصصة بالشؤون الفنية والثقافية، الضوء على عملية الإحياء التي تشهدها مدينة بابل التاريخية، المذكورة في الديانات الإبراهيمية الثلاث، من خلال مشروعي ترميم رئيسيين في معبد "ننماخ" وجدران "بوابة عشتار"، اللتين كانتا ضحية الإهمال طوال قرون من الزمن.
وأوضح تقرير الصحيفة المتخصصة، أن "مدينة بابل التاريخية في بلاد ما بين النهرين، تشهد عملية إحياء، حيث يقترب مشروعان لـ(صندوق العالمي للآثار) من الاكتمال، في وقت تشهد السياحة الثقافية التي يحتاج اليها العراق بشدة، تجدداً".
وبحسب التقرير، فإن "أحد المشاريع يستهدف التخفيف من الاضرار التي تلحقها المياه الجوفية لإحدى بوابات عشتار، في حين أن المشروع الثاني يتعلق بمعبد ننماخ، المخصص للآلهة الأم السومرية".
ويأمل فريق الترميم، وفقاً للتقرير، بأن تكون هناك إعادة فتح رسمي للمعبد هذا فصل الخريف الحالي، ليكون متاحاً أمام التجمعات مثل حفلات الزفاف والحفلات الموسيقية، وكذلك لمهرجان بابل، وهو احتفال بالثقافات الدولية الذي يقام في كل ربيع.
وأوضح التقرير، أن "عمليات الترميم المتعلقة بالمعبد وبوابة عشتار تأتي بتمويل كبير من السفارة الأمريكية في بغداد، وتُعتبر جزءاً من (مشروع مستقبل بابل)، الذي أُطلق قبل 15 عاماً، والذي يهدف إلى تعزيز الهياكل ومقاومتها وتثبيتها في كل أنحاء الموقع الذي تبلغ مساحته 2500 دونماً"، مشيراً إلى أن السفارة الأمريكية ألغت تمويل الممر المخطط له، والذي يمتد على موقع بوابة عشتار في تموز/يوليو بسبب تخفيضات الميزانية".
ولفت الى أن الانتهاء من هذين المشروعين يتزامن مع طفرة في السياحة، كما أن "المرشدين السياحيين يتجنبون خلال فترة حرارة منتصف النهار، الخروج من مكاتبهم، إلا أن السياح من رومانيا وروسيا وإيران يسعون بحماس إلى استكشاف مناطق الجذب السياحي بما في ذلك أسد بابل، وطريق المواكب والمتحف بجوار بوابة عشتار التي جرت إعادة إعمارها".
وذكر التقرير، أن "عودة السياحة التراثية، تُعتبر واحدة من حكايات النجاح القليلة الأخيرة في العراق"، مضيفاً انه "حتى مع تزايد التوترات الطائفية وتعثر عودة الشبكة الكهربائية بعد 22 عاماً من تدميرها خلال الغزو الأمريكي، فأن مدينة بابل تشهد إعادة ولادة من جديد".
وقال مفتش الآثار والتراث في بابل رعد حميد عبدالله، وفق التقرير، إنه "كان لدينا اعداد قياسية من الزوار العام الحالي"، مشيراً بذلك إلى "أن بابل استضافت في العام 2024 ، 43530 سائحاً عراقياً و5370 سائحاً أجنبياً، بزيادة عن 36957 زائراً عراقياً و4109 من الأجانب في العام 2023".
وبحسب عبد الله، أن "حتى السكان المحليين من مدينة بابل المجاورة يأتون"، وهو يتباهى بأن بابل "أصبحت مرة أخرى مكانا شهيراً للتجمعات العائلية وحفلات الزفاف.. بابل هي رمز للعراق".
ومدينة بابل، التي تقع على بعد حوالي 80 كيلومتراً جنوب العاصمة بغداد، تضم كلاً من أنقاض المدينة القديمة وكذلك القرى والمناطق الزراعية المحيطة بها، وهي تعتبر "منطقة ناجية" وفق التقرير.
وتحولت المدينة القديمة كما جاء في التقرير، من ذروتها كعاصمة بابلية جديدة في عهد الملك نبوخذ نصر الثاني وصولاً إلى حرب العراق عندما سارت القوات الأمريكية والبولندية فوق أنقاضها، وهدد تنظيم داعش وجودها بعد قرابة عقد من الزمان، لافتاً إلى أن "المدينة القديمة شهدت مجيء إمبراطوريات ورحيلها، حيث فقد نجت بابل من عقود من النهب والمصاعب البيئية المتواصلة".
وذكّر التقرير بان البريطانيين في العام 1927، اداروا خط سكة حديد عبر الموقع، وفي الثمانينيات اقام صدام حسين طريقا سريعا عبر جزء منه، الى جانب قصر خاص به، مضاف اليه مهبط للهليكوبتر.
ولا تزال هناك 3 خطوط أنابيب نفط معطلة، وفقاً للتقرير، اثنان أُقيمت في السبعينيات والثمانينيات، بينما الأنبوب الثالث أكثر حداثة لكن تم حظر العمل فيه بعد أن رفعت الهيئة العامة للآثار العراقية دعوى قضائية في العام 2012.
وطبقاً لتقرير "صحيفة الفن" الدولية، لم يتم الاعتراف ببابل كموقع للتراث العالمي لليونسكو، سوى في العام 2019.
ولفت التقرير، إلى أن "سنوات من الأضرار والإهمال المرتبطين بالحرب إلى جانب أساليب إعادة الإعمار المطبقة بشكل سيء في منتصف القرن، أدت إلى إلحاق مشاكل هيكلية خطيرة في المعبد، وكان الحرم الداخلي لننماخ على وشك الانهيار في العام 2022".
ونقل التقرير عن المهندس عبد الجواد قوله، "كان علينا تفكيك القوس القديم تماماً.. كان مليئاً بالشقوق بسبب الطقس، ولهذا قمنا بتفكيكها وأعدنا بناءها بالطوب الطيني".
كما نقل التقرير عن مدير "مشروع مستقبل بابل"، أسامة هشام قوله، إن "هذا هو أول قوس في العراق تم ترميمه بالكامل من الطوب الطيني"، لافتاً إلى أن "المعبد يتكون الآن من خشب الحور من غابات الموصل، والطين من بابل، والقصب من مستنقعات الأهوار في الجنوب"، وأنه "جرى الآن ترميم الموقع الذي يرمز إلى قلب العراق بمواد من جميع أنحاء البلد".
ونبه إلى "تفكك بوابة نبوخذ نصر الثاني الزجاجية الزرقاء المذهلة التي بُنيت فوق بوابة عشتار تدريجياً في أعقاب سقوط الامبراطورية البابلية في القرن السادس قبل الميلاد"، مضيفاً أن "نسخة طبق الاصل تم تركيبها في الخمسينيات تستقبل الآن الزوار إلى بابل".
وخلص التقرير، بالإشارة إلى أن العديد من العراقيين، يرغبون في رؤية نسخة بوابة عشتار تعود من متحف بيرغامون في برلين، مذكراً بأن البوابة مصنوعة من بقايا الطوب من الحفريات التي أجرتها الجمعية الشرقية الألمانية، من العام 1899 إلى العام 1917".
وفي الختام، نقل التقرير، عن هشام قوله، إن "بوابة عشتار في برلين أصلية بنسبة 20٪ فقط، في حين أن البوابة في بابل أصلية بنسبة 80٪".