يتصاعد القلق الدولي من احتمال دخول العالم مجددًا في سباق تسلح نووي، مع اقتراب انهيار آخر ما تبقى من الاتفاقيات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا، وسط أجواء توتر تذكر بمرحلة الحرب الباردة. ويرى خبراء أن الانسحاب التدريجي من معاهدات ضبط الأسلحة، والتي ساهمت لعقود في تقليص الترسانات النووية وتخفيف التوتر العالمي، قد يعيد العالم إلى نقطة الصفر في ما يتعلق بالردع المتبادل.

التحذيرات تأتي بعد إعلان موسكو إنهاء القيود المفروضة على نشر الصواريخ المشمولة بمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، التي انسحبت منها الولايات المتحدة رسميًا عام 2019، لتبقى "ستارت الجديدة" الاتفاقية الوحيدة التي لا تزال تربط الجانبين، لكنها مهددة بالانهيار مع حلول موعد انتهائها في فبراير/شباط 2026، خاصة بعد أن علّقت روسيا التزاماتها بها في أعقاب غزو أوكرانيا، وأوقفت عمليات التفتيش المتبادلة للمواقع النووية.

الخبير في مجال ضبط التسلح، ألكسندر بولفراس، يرى أن غياب هذه المعاهدات لا يعني بالضرورة أن الحرب النووية باتت وشيكة، لكنه يشدد في المقابل على أن هذا الفراغ القانوني لا يقلل من احتمالات اندلاعها، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن، وتعدد اللاعبين النوويين في الساحة الدولية.

وفي الذكرى الثمانين لقصف هيروشيما، عبّر ناجون من القنبلة الذرية عن استيائهم من دعم قادة العالم المتزايد للأسلحة النووية كوسيلة ردع، مؤكدين أن تجاهل التاريخ يعيد الإنسانية إلى شفا كارثة محتملة.

بحسب اتحاد العلماء الأميركيين، تمتلك روسيا والولايات المتحدة مجتمعتين نحو 87% من الرؤوس النووية في العالم، بواقع 5,459 رأسًا لروسيا و5,177 رأسًا للولايات المتحدة، مقارنة بأكثر من 60 ألف رأس كانت بحوزة البلدين في ذروة الحرب الباردة. ورغم هذا التراجع العددي، يرى محللون أن الخطورة تكمن اليوم في غياب آليات الرقابة والتفتيش التي كانت تضمن الحد الأدنى من الشفافية والضبط المتبادل.

الولايات المتحدة كانت قد انسحبت خلال العقدين الماضيين من عدد من الاتفاقيات الحاسمة، من بينها معاهدة "إيه بي إم" للصواريخ الباليستية عام 2002، ومعاهدة INF عام 2019، وذلك بدعوى أن هذه الاتفاقيات لم تعد تلائم البيئة الأمنية الجديدة، خاصة في ظل صعود قوى نووية مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية، غير الموقعة على تلك المعاهدات.

في المقابل، واصلت روسيا تطوير منظوماتها، واختبرت صاروخها الجديد "أوريشنيك" متوسط المدى فائق السرعة ضد أهداف في أوكرانيا، معلنة أنها ستنشره قريبًا في بيلاروسيا، ما يعكس توجهًا نحو مرحلة أكثر عدوانية في إعادة رسم موازين القوى.

ويرى سيدهارث كوشال، الخبير في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة، أن التوصل إلى معاهدات جديدة للحد من الأسلحة بين موسكو وواشنطن بات شبه مستحيل في ظل انعدام الثقة، مضيفًا أن الولايات المتحدة باتت تنظر إلى الصين باعتبارها التهديد النووي القادم، مما قد يدفعها إلى تسريع تطوير ترسانتها، وهو ما قد يدفع روسيا إلى الرد بالمثل.

وبينما تنهار الاتفاقيات التي صمدت منذ سبعينيات القرن الماضي، لا يزال منطق "الردع النووي المتبادل" حاضرًا بقوة، لكنه لم يعد محكومًا بذات القيود والضوابط التي كانت تكبح الانفجار. ومع التغير السريع في موازين القوى وغياب آليات التفاهم، يُحذر خبراء من أن العالم قد يواجه لحظة حاسمة ما لم يُبادر إلى استعادة لغة الحوار وضبط النفس.