رغم تحذيرات الأمم المتحدة ومئات المنظمات غير الحكومية من تفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة، إلا أن إعلان "المجاعة رسمياً" لا يزال رهينة شروط علمية صارمة يصعب تحقيقها في ظل الواقع الميداني المتدهور، والحصار الإسرائيلي الخانق.
فمنذ عام 2004، بات تصنيف المجاعة يعتمد على معايير علمية دقيقة حددها ما يعرف بـ"التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)"، وتقتضي بلوغ ثلاث عتبات محددة: أن يعاني 20% من الأسر من نقص حاد في الغذاء، و30% من الأطفال من سوء تغذية حاد، مع تسجيل وفاة شخصين من كل 10 آلاف يومياً نتيجة الجوع أو الأمراض المرتبطة به.
لكن، وعلى أرض الواقع، من المستحيل اليوم جمع هذه البيانات، بحسب شهادات منظمات إنسانية دولية، بسبب صعوبة الوصول إلى السكان، والتنقل داخل القطاع الذي تحول إلى رقعة نزوح مفتوحة تحت نيران القصف والدمار.
وقالت "أطباء بلا حدود" إن الظروف الحالية لا تسمح بإجراء تقييمات ميدانية ضرورية لإعلان المجاعة رسميًا، فيما أكدت منظمة "العمل ضد الجوع" أن عمليات النزوح القسري والتعليمات العسكرية بالإخلاء تجعل من المستحيل معاينة المناطق الأشد تضررًا، لا سيما شمال القطاع.
أرقام صادمة... جوعٌ يتجاوز حدود اللغة
وسط هذه المعوقات، تتوالى الأرقام التي تعكس هول الكارثة:
-
وفاة 21 طفلًا خلال 72 ساعة بسبب الجوع وسوء التغذية، بحسب أحد مستشفيات غزة.
-
ربع الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل الذين زاروا عيادات "أطباء بلا حدود" الأسبوع الماضي يعانون من سوء تغذية حاد.
-
برنامج الأغذية العالمي: ثلث السكان لا يتناولون طعامًا لأيام، وأسعار المواد الأساسية ارتفعت بشكل جنوني، حيث بلغ سعر كيلو الطحين 100 دولار.
ورغم وجود نحو 950 شاحنة مساعدات داخل غزة بحسب الجيش الإسرائيلي، إلا أن وكالات الإغاثة تؤكد أن توزيعها مقيد بقيود مشددة وتفتقر للتنظيم، إضافة إلى تعرض بعض الشحنات للنهب أو التوقف في مناطق بعيدة عن الفئات الأشد احتياجًا.
إعلان المجاعة... متى يكون؟ وهل ينفع بعد فوات الأوان؟
يرى خبراء في الأمن الغذائي أن إعلان المجاعة، من الناحية الإدارية، غالبًا ما يأتي متأخرًا جداً. وقال جان مارتان باور من برنامج الأغذية العالمي:
"حين يُعلَن عن المجاعة رسميًا، تكون الأرواح قد أُزهقت بالفعل".
وفي هذا السياق، تشير تجربة الصومال عام 2011 إلى أن نصف ضحايا المجاعة كانوا قد ماتوا بالفعل قبل الاعتراف الرسمي بها.
الجدل السياسي... بين الأرقام والواقع
فيما تنفي إسرائيل مسؤوليتها عن عرقلة دخول المساعدات، تتهمها منظمات حقوقية دولية بـ"استخدام الجوع كسلاح"، وتحمّلها مسؤولية المجاعة الوشيكة، وسط مطالبات بفتح المعابر دون شروط، وتسهيل وصول المساعدات إلى جميع مناطق القطاع.
وترى فرنسا أن خطر المجاعة هو "نتيجة مباشرة للحصار"، بينما تساءلت منظمات إنسانية
"ما جدوى التعقيدات الفنية لتوصيف المجاعة، إذا كان الواقع قد تجاوز بكثير حدود المؤشرات؟".
الواقع الإنساني في غزة أصبح كارثة تمشي على قدمين، والوقت، بحسب تحذيرات متزايدة، ينفد بسرعة تفوق سرعة القرار الدولي.