صراع خفيّ في واشنطن: اختبارات كشف كذب وتجسس داخلي تكشف عمق الانقسام داخل مؤسسات الأمن القومي الأميركي

تتفاقم حالة عدم الثقة بين أروقة الأمن القومي في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة، بعدما تحوّلت الأجهزة الاتحادية نفسها إلى أدوات مراقبة داخلية تلاحق موظفيها بحثاً عن «مسربين» محتملين أو «ناقدين» للقيادة العليا.

مصادر مطّلعة كشفت أن وكالات كبرى—من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الدفاع وصولاً إلى وزارة الأمن الداخلي—باتت تعتمد بصورة متزايدة على اختبارات كشف الكذب، والتنصّت على الاتصالات، وفتح تحقيقات جنائية داخلية، في مسعى لمحاصرة التسريبات ومعرفة ولاء موظفيها.

داخل الـFBI، خضع كبار العملاء لجلسات بوليغراف مكثفة، لمجرّد الاشتباه بتسريب معلومات «ثانوية» أو توجيه انتقادات لمدير الوكالة كاش باتيل ونائبه دان بونغينو، اللذين اشتهرا سابقاً بهجماتهما العلنية على المكتب قبل تعيينهما في منصبيهما الحاليين. التوتر بلغ حدّ إعادة تكليف عدد من كبار العملاء أو وضعهم في إجازة إدارية إجبارية.

وزارة الدفاع سلكت مساراً مشابهاً: مذكرة داخلية صدرت في آذار/مارس أوصت باستخدام أجهزة كشف الكذب في التحقيق حول تسريبات ظهرت عقب اجتماعات رفيعة. التحقيق انقلب صراعاً على النفوذ أطاح برئيس أركان الوزارة آنذاك، جو كاسبر.

وزارة الأمن الداخلي من جهتها أكدت—في بيان رسمي صدر في الشهر نفسه—أنها تستخدم اختبارات كشف الكذب لتحديد هوية من سرّب معلومات حساسة قبيل مداهمات دائرة الهجرة والجمارك، وصولاً إلى إخضاع موظفي وكالة إدارة الطوارئ لاختبار بوليغراف بعد تسرب تفاصيل اجتماع ضم الوزيرة كريستي نويم.

في موازاة ذلك، شكّلت الاستخبارات الوطنية وحدة خاصة تطالب بالحصول على سجلات البريد الإلكتروني والمحادثات في جميع وكالات التجسس الأميركية، أملاً في تعقّب موظفين يُشتبه بأنهم «يعرقلون» أجندة الرئيس. رئيسة الوحدة، تولسي غابارد، قالت إنها أحالت «جملة من التسريبات» لوزارة العدل، متهمة من وصفتهم بـ«مجرمي الدولة العميقة» بتسييس المعلومات السرية لخدمة أهداف حزبية.

هذه التطورات تضع مؤسسات الأمن القومي الأميركي في مواجهة مع نفسها؛ إذ تسعى القيادات إلى فرض رقابة مشددة على كوادرها بينما يشكو الموظفون من أجواء ترهيب تقوّض روح العمل داخل المؤسسات التي يفترض أنها خط الدفاع الأول عن الأمن القومي للبلاد.