منصة واضح - اقتصاد
في خطوةٍ لافتةٍ تعكس تحوّلاً جديداً في مسار السياسة النقدية الأمريكية، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خفضٍ جديدٍ في سعر الفائدة الأساسية بربع نقطة مئوية، لتتراجع من 4.25% إلى 4.00%، في ثاني خفضٍ متتالٍ خلال العام الجاري، وسط ضبابية تحيط بالمشهد الاقتصادي في الولايات المتحدة.
القرار، الذي جاء بتصويت عشرة أعضاء مقابل اثنين داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، يهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي ومواجهة التباطؤ المتزايد في بعض القطاعات، رغم استمرار الغموض بشأن مؤشرات الأداء الكلي بسبب توقف معظم الإحصاءات الحكومية في الأسابيع الأخيرة.
فمنذ إغلاق الحكومة الفيدرالية، يعمل البنك المركزي الأمريكي في ما يشبه “العتمة الإحصائية”، إذ توقفت تقارير حيوية مثل بيانات الوظائف ومبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي، ولم يتوافر سوى مؤشر أسعار المستهلك الأخير الذي أظهر استمرار الضغوط التضخمية بوتيرة محدودة.
وفي موازاة خفض الفائدة، أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن إنهاء برنامج تقليص الأصول – أو ما يُعرف بـ “التشديد الكمي (QT)” – اعتباراً من الأول من كانون الأول/ديسمبر المقبل، في خطوة يُتوقع أن تخفف الضغط على السيولة وتمنح الأسواق المالية متنفساً جديداً.
ويأتي هذا القرار ليؤكد أن الفيدرالي يسعى إلى تحقيق توازنٍ دقيق بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي، خصوصاً في ظل مؤشرات تباطؤ سوق العمل وتراجع إنفاق المستهلكين خلال الربع الأخير من العام.
ويرى مراقبون أن هذا الخفض يعكس تحولاً تدريجياً نحو سياسة نقدية أكثر مرونة، بعد عامين من الزيادات الحادة التي استهدفت السيطرة على التضخم القياسي الذي أعقب جائحة كورونا. كما يُتوقع أن يُسهم القرار في دعم أسواق المال العالمية وخفض كلفة الاقتراض، لكنه في المقابل قد يُعيد المخاوف من عودة التضخم إذا تعافت السيولة بسرعة.
بهذا الإجراء، يوجّه الفيدرالي رسالة مزدوجة: استمرار الالتزام بالاستقرار المالي من جهة، والاستعداد للتكيف مع الظروف المتقلبة من جهة أخرى — في وقتٍ باتت فيه السياسة النقدية الأمريكية أشبه بلعبة توازن دقيقة على حافة الركود والتضخم.













