تشهد العاصمة منذ أكثر من أسبوع اضطراباً واسعاً في إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، في ظاهرة تحوّلت من مسألة تقنية إلى ملف سياسي وأمني واقتصادي معقد. فبينما تشير مصادر إلى أن التشويش جاء لحماية مواقع حساسة من تهديدات محتملة، تتحدث روايات أخرى عن ضغوط فرضت قيوداً رقمية كردّ على تحذيرات خارجية حديثة.

كشف مصدر أمني مطلع أن العملية نفذت على مرحلتين: الأولى تعطيل مؤقت للإشارات في محاور محددة، والثانية بث إشارات مزيفة (Spoofing) حولت مواقع الأجهزة إلى إحداثيات خاطئة داخل العاصمة. هذه الموجات المضللة أربكت أنظمة التتبع والملاحة وأثرت على شركات التوصيل والخدمات اللوجستية، مؤكداً أن القرار جاء بعد تحذيرات دفعت الجهات المعنية إلى "تأمين مواقعها عبر التشويش على الخرائط والملاحة في مناطق حساسة".

وأضاف المصدر أن بعض الترددات جرى تعطيلها عبر أجهزة بث محلية مثبتة على مبانٍ شبه حكومية، ما يدل على أن العملية لم تكن عشوائية بل جزءاً من مواجهة إلكترونية تتقاطع فيها مصالح متعددة.

وأشار خبير أمني إلى أن الهدف من التشويش على GPS هو منع تتبع التحركات الخاصة عبر الخرائط الرقمية، وهو إجراء يُستخدم عادة لحماية شخصيات ومواقع حساسة، مؤكداً أن أغلب التشويش يتركز في محيط المناطق الحكومية المركزية وجنوب العاصمة، بالتزامن مع تصعيدات وتواجد مراقبة عالية المستوى.

ومن الجانب الاقتصادي، حذر خبير اقتصادي من أن استمرار التشويش أصبح تهديداً مباشراً للاقتصاد الوطني، حيث يؤدي إلى اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف التشغيل، خصوصاً في قطاع النقل التجاري والتوصيل والخدمات الهندسية، كما يضعف ثقة المستثمرين في البنية التحتية الرقمية ويؤثر سلباً على التجارة الإلكترونية وفرص العمل المرتبطة بها.

خبراء الأمن السيبراني أكدوا أن التشويش يجمع بين أسلوبين: "الجامينغ" عبر بث إشارات قوية لإغراق الإشارة الأصلية، و"السبوفينغ" عبر إرسال إشارات مضللة لتغيير المواقع الحقيقية للأجهزة، مشيرين إلى أن كلا الأسلوبين يتحولان إلى سلاح مزدوج الأثر عند تطبيقهما في المدن: حماية أمنية وتعطيل لحياة المدنيين والاقتصاد.

الملاحة الجوية تعتمد حالياً على الرادار بدلاً من الأقمار الصناعية، وشركات التوصيل تسجل خسائر يومية، بينما يعيش المواطنون في عمى رقمي مؤقت، في ظل غياب أي توضيح رسمي حول المسؤول عن هذه الموجات المضللة.

وتشير التقارير إلى أن العاصمة ليست حالة منفردة، بل جزء من مشهد إقليمي أوسع يشهد استخدام تقنيات التشويش كأدوات ردع إلكتروني وحماية ميدانية في آن واحد. ويعتبر مراقبون أن ما يحدث يعكس انتقال الصراع إلى المجال الرقمي، حيث أصبح التحكم بالإشارة لا يقل أهمية عن السيطرة على الأرض.