Homepage / مجرى ماء يشعل حرباً.. القصة الكاملة للصدام المسلح بأربيل

مجرى ماء يشعل حرباً.. القصة الكاملة للصدام المسلح بأربيل

منصة واضح -

يشهد قضاء خبات التابع لمحافظة أربيل تصعيداً خطيراً في الاشتباكات المسلحة بين قوات البيشمركة، وتحديداً قوات الزيرفاني (قوة خاصة من النخلة بالبيشمركة الكردية) وعشيرة الهركي.
القصة بدأت بخلاف قديم، نزاع عشائري حول تحويل مجرى مياه زراعية. قطرة ماء، عادة ما تُروى بها الأرض، أصبحت وقوداً لحرب أهلية مصغرة بين عشيرتي الهركي وكوران. لكن هذه المرة، كان الفارق مخيفاً: لم يكن الخصوم مجرد فلاحين، بل كانوا قادة عسكريين من صلب "البيشمركة" نفسها. خورشيد هركي، الضابط رفيع المستوى الذي يتكئ على نفوذ عشيرته، وبشار مشير آغا من عشيرة كوران، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه، محوّلين زيّهم العسكري إلى عباءة قبلية.
يوم السبت الماضي الخامس من يوليو/ تموز الحالي ٢٠٢٥؛ اندلع الصراع بين عشيرة الهركي بقيادة خورشيد هركي وبين عشيرة كوران بقيادة بشار مشير آغا المدعوم من عائلة البارزاني، حكومة اربيل احتوت الأزمة بادىء الأمر، وأُحيلت القضية إلى المحكمة. لكن الهدوء كان زائراً عابراً، سرعان ما تبدد في الثامن من يوليو الحالي أمس الثلاثاء.
فمع شروق شمس ذاك اليوم، تحول قضاء خبات إلى ساحة معركة حقيقية. لم تعد مجرد مناوشات، بل "قتال شوارع" عنيف بين قوات "الزيرفاني" – نخبة البيشمركة – ومقاتلي خورشيد هركي.
كانت السماء تشتعل بالرصاص وانفجارات القذائف الثقيلة. الشوارع غاصت في الفوضى والدخان. سقط القتلى والجرحى، وسيارات "الزيرفاني" المدججة بالسلاح احترقت، لتتحول إلى هياكل متفحمة تتناقلها المواقع الاخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي.
"البيشمركة" اصبحت تواجه الأمرين؛ فهي تتصدى لسلاح ثقيل من جهة وصدمة الولاءات المتضاربة من جهة اخرى!
كان المشهد أكثر من مجرد صراع عشائري؛ كان صدمة وطنية. كيف يمكن لقوة يُفترض أنها حامية الإقليم أن تنقسم على نفسها؟ أصبحت "البيشمركة"، التي تُعد رمزاً لوحدة كردستان، مسرحاً لولاءات قبلية وحزبية عميقة، تحوّلها إلى "أذرع ميليشياوية" في نظر البعض. عندما يوجه ضابط سلاحه نحو زميله، وعندما تحرق عشيرة آليات قوات الأمن الرسمية، فإن الثقة في الدولة تتآكل كالثلج تحت الشمس.
لم يكن هذا التصعيد مجرد خطأ عابر، بل كشف عن حقيقة مريرة لطالما همست بها الألسن في إقليم كردستان: لقد تحولت "البيشمركة" تدريجياً من قوة وطنية إلى أداة لخدمة أجندات حزبية، وتحديداً أجندات الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) بقيادة البارزاني.
فخورشيد هركي نفسه، الذي تمرد اليوم، كان في الماضي أحد أدوات الحزب لفرض نفوذه. كانت سنوات طويلة من محاولات البارزاني تجنيد عشيرة الهركي، وخلق انقسامات داخلها. لقد نجح الحزب في إضعاف الزعامة العشائرية التقليدية، ودفع بوجهاء موالين له، مثل خورشيد هركي، الذي بات يعتبر نفسه "زعيماً للهركي" التابعة للحزب في غرب أربيل.
كانت الأسلحة التي يهاجم بها اليوم قوات "الزيرفاني" هي ذاتها الأسلحة التي كانت تمولها البيشمركة لخورشيد، لفرض سيطرة الحزب في مناطق حساسة مثل #كلك. هذا يكشف بوضوح كيف أصبحت الموارد العسكرية الرسمية تستخدم لدعم أفراد وجماعات يخدمون مصالح الحزب، وليس الدولة.
عندما أرسلت الأسايش (جهاز الأمن التابع للحزب) قوات ضخمة لاعتقال خورشيد هركي، لم يكن ذلك تطبيقاً للقانون بقدر ما كان محاولة لإعادة "عنصر مارق" إلى بيت الطاعة الحزبي. وعندما تمرد خورشيد عليهم، لم يهاجم "البيشمركة" كقوة نظامية، بل هاجم "عناصر البارتي" في نظره والتي ترتدي زي البيشمركة، كما أشار البيان الصوتي لرئيس العشيرة المنفي #جوهر_آغا.
هذا التداخل الخطير بين الولاء الحزبي والمهمة العسكرية يظهر كيف تآكلت احترافية المؤسسة العسكرية، وباتت قراراتها مرهونة لحسابات حزبية وعائلية، وليس للمصلحة العليا لإقليم كردستان.
دعوات التعبئة: شبح الحرب الأهلية
مع تصاعد العنف، انتشرت نداءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. رئيس عشيرة الهركي المنفي، جوهر آغا، الذي يقيم في بغداد، نشر بياناً صوتياً يدعو أبناء عشيرته إلى مساندة خورشيد هركي، مصرحاً: "نحن لن نسكت عن ظلم الديكتاتور وعائلته"، في إشارة واضحة لمسعود بارزاني. هذه الدعوات المزلزلة كانت بمثابة صب الزيت على النار، مهددة بتحويل هذا الصراع المحلي إلى حرب أهلية شاملة قد تبتلع الإقليم بأكمله.
يقف الآن إقليم كردستان ومعه قضاء خبات، على حافة الهاوية. التدخلات الحكومية والوساطات العشائرية فشلت في إخماد نيران صراع جذوره عميقة. هذه الأحداث ليست مجرد حوادث منعزلة، بل هي جرس إنذار مدوٍ يكشف عن أزمة حكم عميقة في أربيل، حيث الولاءات القبلية والسياسية تتجاوز المصلحة الوطنية.
9-07-2025, 02:58
Go back