منصة واضح -متابعة
في السنوات الأخيرة، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة لتسريع الأعمال أو تعزيز الإنتاجية، بل تحوّل إلى مساحة تتقاطع فيها التكنولوجيا مع أكثر المشاعر الإنسانية حساسية مثل الحزن والفقد.
فبينما اعتاد الناس منذ سنوات استخدام منصات مثل فيسبوك وإنستغرام في ذكرى ذويهم الراحلين من خلال الصور والفيديوهات والمنشورات التذكارية، ظهر اليوم اتجاه جديد أكثر إثارة للجدل يُعرف بـ"الرحيل الرقمي".
وتلجأ شركات ناشئة حول العالم إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي لصناعة نسخ رقمية تحاكي أصوات وصور وتصرفات المتوفين، بهدف إبقائهم في دائرة التواصل مع أحبائهم.
من الذكرى إلى "الحضور الافتراضي"
على منصات التواصل الاجتماعي، أصبح من المألوف أن ينشر الأبناء صور آبائهم الراحلين، أو أن يخصص الأصدقاء مساحة افتراضية لتذكر شخص فارق الحياة، وهي ظاهرة وُصفت بأنها "ترند الذكرى"، لكن دخول الذكاء الاصطناعي على الخط نقل التجربة من مجرد أرشفة للصور إلى إعادة صوت وصورة الشخص المتوفى بشكل تفاعلي، بحيث يمكن للمستخدمين التحدث معه افتراضياً وكأنه حاضر بينهم.
مواقع مثل HereAfter AI الأميركية وDeepBrain AI الكورية الجنوبية طوّرت تطبيقات تسمح بتخزين تفاصيل دقيقة عن حياة الشخص قبل رحيله، من صوته وإجاباته على الأسئلة الشخصية، وصولاً إلى ملامح وجهه، ليتمكن أهله من التواصل معه لاحقاً وكأنه ما زال على قيد الحياة.
وبحسب تقارير نشرتها "BBC وMIT Technology Review"، فإن هذه التطبيقات بدأت تلقى رواجاً بين بعض العائلات التي تبحث عن وسيلة لتخفيف وطأة الفقد.
جدل عالمي واسع
ورغم الإقبال المتزايد، فإن الظاهرة أثارت جدلاً عالمياً واسعاً، فبينما يرى البعض أنها وسيلة إنسانية تخفف الحزن وتبقي الذكريات، يحذر آخرون من أن الاعتماد على نسخ اصطناعية قد يعيق عملية التقبّل النفسي لفكرة الرحيل، كما تطرح الظاهرة أسئلة أخلاقية ودينية، هل يحق لشركة خاصة أن "تبعث" شخصاً من جديد في هيئة افتراضية؟ وهل يتوافق ذلك مع القيم الإنسانية والدينية التي تنظر إلى الموت باعتباره نهاية حاسمة للحياة؟
مستقبل مفتوح على احتمالات
قد يرى البعض أن هذه الظاهرة مجرد موجة عابرة مرتبطة بانتشار الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الجديدة، لكن تجارب السنوات الأخيرة تؤكد أن التكنولوجيا حين تلامس المشاعر الإنسانية العميقة، فإنها تترك أثراً لا يزول بسهولة، ومع اتساع استخدام الذكاء الاصطناعي في الثقافة الرقمية، يبدو أن "الرحيل الرقمي" سيظل موضوعاً مطروحاً للنقاش، يثير الأمل والخوف في آن واحد.