بعد أن فقدت مدينة غزة معظم بنيتها التحتية وحياتها المدنية، بدأت إسرائيل مرحلة تدمير المباني متعددة الطوابق، حيث تم نسف برج "مشتهى" السكني بالكامل، بينما يواجه برج "مكة" وغيرها من الأبراج تهديدات مماثلة، في خطوة تتجاوز البعد العسكري لتطال الهوية العمرانية المدنية للقطاع.
كان سكان برج "مشتهى"، الواقع غرب مدينة غزة ويضم 16 طابقاً وأكثر من 80 شقة سكنية يعيش فيها أكثر من 400 غزي، منشغلين بأمور حياتهم اليومية حين تلقوا اتصالاً من الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء المبنى. البرج الذي يطل على البحر ويضم مطاعم، محال تجارية، مكاتب مؤسسات وشركات، كان من أبرز المعالم العمرانية للمدينة، وتحاط به ساحة واسعة تُعرف بـ "الكتيبة".
خلال الحرب، استخدم الجيش الإسرائيلي المبنى لتبرير القصف، مدعياً أن الطبقات العليا منه كانت تهدد الأمن بسبب مراقبة الجنود، بينما تحول المبنى جزئياً لاحقاً إلى مأوى للنازحين الذين دُمرت منازلهم، ليصبح أكبر معسكر خيام يضم أكثر من 2500 عائلة. لكن ساعات قليلة بعد التهديد، شنّت الطائرات الحربية أربع غارات على البرج، ليصبح ركاماً بلا حياة، وتشرد سكانه وأهالي الخيام المحيطين به في الشوارع بلا مأوى.
ما حدث في برج "مشتهى" ليس حادثة منفردة، إذ أعلنت إسرائيل أنها ستواصل تدمير المباني متعددة الطوابق تدريجياً في غزة، مبررة ذلك بتحويلها من قبل حركة "حماس" إلى بنى تحتية عسكرية. على الرغم من وصف هذه المباني بـ "الأبراج السكنية"، فإن غزة لا تحتوي على أبراج شاهقة بالمعنى الحرفي، إذ تمنع إسرائيل تشييد مبانٍ عالية خوفاً من كشف أراضيها، وتكون غالبية المباني متعددة الطوابق في القطاع بين 4 إلى 16 طابقاً فقط، تضم شققاً سكنية لكل طبقة.
وفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، يوجد في مدينة غزة 1540 مبنى سكنياً متعدد الطوابق، دمرت إسرائيل خلال الحرب الأخيرة عدداً كبيراً منها، بينما تعجز فرق وزارة الإسكان عن حصر الأبراج المدمرة بدقة، بسبب حجم الدمار. في المراحل الأولى من الحرب، ركز الجيش الإسرائيلي على تفكيك قدرات "حماس" العسكرية، لكن مع استمرار النزاع، بدأت المرحلة الثالثة بالتركيز على نسف المنازل والمباني السكنية.
تم تدمير شمال القطاع بالكامل، بما في ذلك بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، لتصبح المنطقة خالية من أي مبنى قائم، كما شملت العمليات مدينة رفح بالكامل ودمّرت حوالي 70% من محافظة خان يونس. حالياً، تبقى في القطاع منطقتان فقط، هما دير البلح وأجزاء من مدينة غزة المركزية، حيث يتزاحم حوالي 2.3 مليون نسمة ضمن مساحة ضيقة للغاية، وسط تهديد مستمر للمباني السكنية التي ما تزال قائمة.