في ظل تحولات إقليمية متسارعة وضغوط دولية متزايدة، عاد ملف "السلاح خارج الدولة" إلى دائرة الضوء في العراق، بعد سنوات من التأجيل، وسط تلميحات عن حوارات سياسية حساسة تجري خلف الأبواب المغلقة لحسم مصير الفصائل المسلحة.
وتكشف مصادر سياسية عن بدء مناقشات فعلية بشأن مستقبل هذا السلاح، تزامنًا مع إشارات أميركية تدعو إلى دمج فصائل الحشد الشعبي في المؤسسات الأمنية الرسمية، ووسط قلق متزايد من التهديدات الإقليمية، لاسيما من تل أبيب، حول إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة.
السياسي المستقل نبيل العزاوي، قال في تصريح صحفي، إن العراق اليوم يقف عند مفترق طرق حاسم، حيث لم يعد من الممكن تجاهل وجود كيانات مسلحة خارج سيطرة الدولة، خاصة بعد أن اكتسب العراق موثوقية دولية متقدمة وسعى لتحييد نفسه عن صراعات المحاور. واعتبر العزاوي أن مواصلة هذا التحييد تتطلب قرارًا شجاعًا بتوحيد السلاح تحت مظلة الدولة دون استثناءات.
ويبدو أن البيئة الإقليمية باتت غير مهيأة لاستمرار موازين القوى القديمة، فالمتغيرات في الساحة الدولية، خاصة على خط إيران–إسرائيل، والولايات المتحدة–إيران، تفرض على العراق إعادة ترتيب أوراقه الأمنية. وبحسب محللين، فإن الفصائل المسلحة التي كانت شريكًا فاعلًا في معارك التحرير باتت اليوم عبئًا محتملاً على الدولة إذا لم تُدمج ضمن مؤسساتها الرسمية.
ويرى مراقبون أن حكومة محمد شياع السوداني تمتلك من الرصانة والدعم السياسي ما يؤهلها لخوض هذا التحدي المعقّد، لا سيما مع تنامي القناعة بين الأطراف المختلفة بأن الحوار هو السبيل الوحيد لتجنب الاصطدام.
وفي هذا السياق، يشدد العزاوي على ضرورة الاحتكام إلى منطق الدولة، مؤكداً أن أي محاولة لتجاوز هذا الإطار ستقود إلى سيناريوهات محفوفة بالمخاطر. وقال: "العراق دفع ثمن الانفلات الأمني سابقاً، ولن يكون من الحكمة العودة إلى هذا المسار، خصوصاً ونحن على أبواب استحقاق انتخابي قد يرسم ملامح الدولة المقبلة".
من جانبه، يرى خبراء قانونيون أن تطويق هذا الملف يجب أن يتم من خلال تجريده من بُعده السياسي والعقائدي وتحويله إلى قضية سيادة وإدارة، تُعالج عبر مؤسسات الدولة حصراً. ويؤكدون أن الحل لا يكمن في تجريم الفصائل أو تجاهل دورها السابق، بل في دعوتها للاندماج الكامل تحت راية الدولة وبشروط القانون.
وفي خضم هذه التحولات، يشير العزاوي إلى أن المطلوب اليوم هو التهدئة، والحكمة، وتغليب المصلحة الوطنية، لافتًا إلى أن القرار يجب أن يكون نابعًا من الداخل لا مفروضًا من الخارج، لأن العراق وحده من سيدفع ثمن الفوضى إن فُقد التوازن.
ويختم العزاوي حديثه بالتأكيد على أن العراق أمام لحظة تاريخية، تتطلب خطابًا وطنيًا موحدًا يعلو فوق الاصطفافات، محذرًا من أن "الغرق سيطال الجميع إن لم تُضبط البوصلة السياسية والأمنية".
وبحسب متابعين، فإن العراق لا يرفض الانفتاح على المقترحات الدولية، لكنه يرفض الوصاية، ما يعني أن أي صيغة لحسم ملف السلاح يجب أن تُصاغ محليًا، وتحفظ التوازن بين احترام دور الفصائل ومكانة الدولة، في إطار رؤية وطنية تضع العراق أولًا.