منصة واضح -بغداد
أكدت محكمة التمييز الاتحادية، اليوم الأحد، أنها أثبتت قدرة عالية على التصدي لنزاعات الأحوال الشخصية بروح القانون، فيما أشارت إلى أن الفوضى من قبل المحسوبين على المنصات و الوسائل الإعلامية لم تنجح بالتأثير في قناعات قضاة محاكم الأحوال الشخصية .
وقال نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية، القاضي كاظم عباس، في مقال تابعته "واضح" إن "قضاء الأحوال الشخصية يُعد من أكثر أنواع القضاء التصاقاً بالإنسان وخصوصياته، إذ يمسّ قضايا جوهرية مثل الزواج و الطلاق و النَسَب و النفقة و الحضانة، والإرث، ولذا، فإن من يتولّى الفصل في هذه القضايا ينبغي أن يتحلى بحسّ إنساني عالٍ، وبنَفَسٍ قضائي طويل، ونزعة تصالحية تسعى إلى لَمّ شمل الأسرة وتغليب مبدأ العدالة الاجتماعية على الحرفية القانونية المجردة .
وأضاف، أن "المشرّع حين سنَّ قوانين الأحوال الشخصية، لم ينطلق فقط من قاعدة قانونية صلبة، بل استبطن خصوصية الأسرة في البناء الاجتماعي، وضرورة أن يكون القاضي أكثر حرصًا على الحفاظ على كيانها من تمزيقها، ولهذا، فإن النص القانوني في هذا الميدان يجب أن يُقرأ بروح العدالة، لا بحرفية الزجر والردع .
وتابع: "رغم ما يعيشه المجتمع العراقي من تحولات اقتصادية واجتماعية ضاغطة، وما نتج عنها من ارتفاع الخط البياني في عدد النزاعات الأسرية المعروضة على محاكم الأحوال الشخصية في عموم البلاد، فإن هذه المحاكم (بدعم من محكمة التمييز الاتحادية) أثبتت قدرة عالية على التصدي لتلك النزاعات بروح القانون، وأرست من خلال قراراتها التمييزية، مبادئ اجتهادية حافظت على كيان الأسرة العراقية، ومنعت زعزعة بنيتها التكوينية .
وأشار الى أن هذا الحقل القضائي الخاص لم يَسلم من تدخلات خارجية، فقد تحوّلت قضايا الأحوال الشخصية في السنوات الأخيرة إلى مادة إعلامية مبتذلة، يجري تداولها على منصات التواصل الاجتماعي بلا وعي ولا ضوابط، بل وبلا فهم لطبيعة هذه الملفات الحساسة، فأصبحت مفردات مثل "الطلاق، الحضانة، المادة 57، النفقة " تتناقلها ألسنٌ لا تُفرّق بين مفهومٍ قانوني واجتهادٍ قضائي، وتُطرح في فضاءات إعلامية مفتوحة تُروّج لشعارات خادعة عن حقوق المرأة أو الطفل، من دون استناد إلى قانون أو قاعدة فقهية .
ولفت الى انه "رغم أن هذه الفوضى الإعلامية لم تنجح بالتأثير في قناعات قضاة محاكم الأحوال الشخصية، الذين واصلوا تطبيق القانون وفق ضمائرهم واستقلالهم المهني، فإن الخطر الحقيقي لم يأتِ من الإعلام، بل من المحكمة الاتحادية إبّان رئاسة جاسم العميري لها، حيث أصرّ على تجاوز الصلاحيات الحصرية لمحكمته والتدخّل السافر في اختصاص محاكم الأحوال الشخصية حسب وصفه ".
وأردف، أنه "حتى لو قُدّر للمحكمة أن تفسر نصاً قانونياً أثناء نظرها دعوى للطعن به، فإن هذا التفسير (بحسب المبادئ المستقرة) لا يُعد ملزماً لأي محكمة أو جهة أخرى بعد أن قررت دستورية النص، بل يُعد النصّ بعد ذلك واجب التطبيق، ويترك تأويله للقاضي المختص بالنزاع الموضوعي، لا للمحكمة الاتحادية التي انتهى دورها برد الطعن"، مبيناً أن "ما قامت به المحكمة الاتحادية، لم يكن سوى ركوب للموجة الشعبوية المتأثرة بخطاب بعض منظمات المجتمع المدني، وانجرار خلف أجندات لا علاقة لها بالدستور أو بحماية الأسرة، بل تهدف إلى إعادة تشكيل مفاهيم تحت غطاء العدالة الأسرية بما يخالف الشرع والدستور معاً .