منصة واضح - تقارير
تحصد حوادث السير، عددا غير قليل من الأرواح يومياً؛ وهذا العدد المرعب من الأشخاص الذين تزهق أرواحهم بسبب حوادث الطرق غالباً، نتيجة تأخر نقل المصابين وإسعافهم من قبل الأشخاص الذين يشاهدون الحادث فور وقوعه, ولم يتدخلوا لإسعاف المصاب وحمله لأقرب مؤسسة صحية، لتلافي تعرضهم للاتهام والمساءلة من قبل ذوي المتوفى أو الحجز من قبل الأجهزة الأمنية، على حساب إنسانيتهم أو إحساسهم بالمسؤولية تجاه الضحايا.
فعندما يشاهد أحد المارة حادث سير، تراه يتردد أو يحجم عن إسعاف ومساعدة المصابين ونقلهم إلى أقرب مستشفى, وقلة من الناس يبادرون إلى إسعاف مصابي الحوادث المرورية؛ وبالتالي فهناك من يؤيد عمليات الإسعاف هذه انطلاقا من دوافع إنسانية، وهناك من يعارض هذه العمليات، خوفاً من الإجراءات أو التبعات التي يتعرض لها من العشيرة التي ينتمي إليها الضحية مرة، ومرة أخرى من الإجراءات القانونية.
الى ذلك، ناشد مختصون في الشأن الاجتماعي و منظمات المجتمع المدني الجهات المعنية لتعديل بعض التشريعات الخاصة فيما يتعلق بإسعاف المواطنين الذين يتعرضون لحوادث مرورية .
بدوره، أكد مدير مركز حقوق الانسان في العراق علي العبادي قال في حديث لـ"واضح " إن "التبعات القانونية و العشائرية تجنب المواطن مساعدة و اسعاف من يتعرضوا لحوادث مرورية كان آخرها إيداع سائق أجرة في التوقيف لثلاثة أيام بعد نقله لشابة عشرينية تعرضت لحادث دهس في محافظة ذي قار ".
و في سياق متصل، أفادت مقاطع فيديو انتشرت أمس بتصادم دراجة نارية مع عجلة صالون وسط البصرة دون تدخل المارة خوفا من التبعات السلبية التي قد تلحق بالمسعفين.
ودائماً ما يصبح المسعف للمصاب، متهماً أمام عشيرة الأخير، بكونه المسبب للحادث، وتطالبه بالديّة، هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى يتعرض المسعف للمساءلة القانونية من قبل الأجهزة الأمنية؛ فيُتهم أيضاً بأنه المسبب للحادث، ويحجز لحين استكمال التحقيقات اللازمة.
من جانبه و في حديث لـ"واضح" دعا الشيخ من أهالي محافظة البصرة، يعرب المحمداوي إلى "عقد ميثاق شرف بين شيوخ و رؤساء القبائل يتعهدون فيه بعدم ملاحقة المسعفين عشائرياًَ إضافة الى دعوته للمشَرع القانوني لحماية المنقذين لأرواح المصابين خلال الحوادث".
معضلة في العراق
وفي ظل تلك "المعضلة" يعتزم العراق تشريع قانون ينقذ أرواح مواطنيه، بعد أن وافق مجلس الوزراء، في أواخر نيسان الماضي على مشروع قانون حماية المُسعف والمنقذ التطوّعي، وذلك بعد تدقيقه من قبل مجلس الدولة، وقرر إحالته إلى مجلس النواب لاستكمال الإجراءات التشريعية.
وعلى الرغم من أهمية "قانون المسعف"، لكنه كان مركوناً في أروقة البرلمان منذ عام 2018، وطُرح من قبل مجلس الوزراء استجابة للمطالب المتكررة، بعد أن أدى غياب مثل هذا التشريع إلى تردد العديد من المواطنين في تقديم الإسعافات الأولية.
ويعد القانون من أهم القوانين الصحية في العراق، إذ أكد وزير الصحة صالح الحسناوي في الثاني من أيلول 2025، بتصريح متلفز أهمية تشريع قانون حماية المسعف أو المنقذ المتطوع.
وقال الحسناوي، إن "المواطنين يعزفون عن تقديم المساعدة لمن يجدوه مصاباً في طريقهم، بسبب المساءلة القانونية مما دفع إلى خسارة الكثير من الأرواح ومضاعفات للمصابين، وتشريع القانون سيقلل من ذلك".
وهناك تشريعات نافذة تعالج قضية حماية المسعف في المادة (370) من قانون العقوبات العراقي، وكذلك المادة (111) وقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (24) لسنة 1997 المتعلقة بالمسعف، إلا أنها لا توفر الحماية القانونية والعشائرية اللازمة للمسعف، بحسب المهتمين بالشأن القانوني.
القانون يكرم المسعف والمُنقذ
بدورها، تؤكد عضو لجنة الصحة النيابية محاسن الدليمي، أن "قانون حماية المسعف"، سيكرم المسعفين المتطوعين بدلاً من ملاحقتهم قانونياً وعشائرياً.
وقالت الدليمي، إنه "يجب التمييز بين المسعف الطبي والمسعف التطوعي، فإن مقترح لجنة الصحة النيابية يختص بالمنقذ والمسعف التطوعي".
وأضاف، أن "القانون سيكون بمثابة ثقافة للمواطنين للتعاون فيما بينهم وحماية أرواح الناس، سواء حصل حادث دهس أو حريق أو غيرها فيبادر المسعف التطوعي لإنقاذ المصاب من دون تعرضه للمساءلة القانونية، واعفائه من المسائلات في قانون العقوبات".
وأشارت الدليمي إلى، أن "من يقوم بمساعدة الناس الذين يتعرضون للحوادث سيتم تكريمهم وفق مقترح قانون حماية المسعف".
ولفتت الى، أن "تهديد من يقوم بالمساعدة، بالعشائر يعتبر جريمة وسيحاسب عليها من يفعل ذلك".
ويتضمن مشروع القانون تعديل المادة (47) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، بما يمنع توقيف المخبر أو ملاحقته في حال تبين أن بلاغه لم يكن كيديًا، حتى وإن لم تؤدِ المعلومة إلى نتيجة.
ويُعد هذا التعديل جوهرياً كونه يغيّر من فلسفة التعامل مع الإبلاغ في القضايا الإنسانية ويشجّع المواطنين على التعاون دون الخوف من العواقب القانونية.
كما تضمن القانون نصوصاً صريحة تجرّم عرقلة أو تهديد أي من الأشخاص الثلاثة المشمولين بالحماية عند قيامهم بدورهم، وتعتبر ذلك فعلاً مخالفاً للقانون يستوجب المحاسبة، كما تشترط بنود الحماية أن يكون التدخل في حدود المعقول والممكن، وألا تكون هناك نية للإضرار أو الاستغلال، مع إمكانية توثيق الحادثة بالشهادات أو الوسائل التقنية.