Homepage / مفتاح السيطرة على "الغضب المزمن".. التسامح وصفة داخلية لبناء تقدير الذات وصحة نفسية أفضل

مفتاح السيطرة على "الغضب المزمن".. التسامح وصفة داخلية لبناء تقدير الذات وصحة نفسية أفضل

 منصة واضح -تقرير

هل تعلم أن التسامح دواء للاكتئاب؟ بهذا السؤال بدأ أحمد – الشاب الثلاثيني – رحلةً لم يتوقع أن تغيّر حياته، كان يعيش سنوات طويلة تحت ثقل غضب قديم وذكريات مُرهقة، إلى أن صادف مقالة عن اليوم العالمي للتسامح، الذي يحتفل به العالم في السادس عشر من تشرين الثاني، لم يكتفِ أحمد بالقراءة، بل قرر أن يختبر الفكرة بنفسه: هل يمكن أن يكون التسامح علاجًا حقيقيًا؟

مع أول محاولة لتجاوز مشاعر الحقد، لاحظ شيئًا غريبًا؛ ذلك الصداع الذي رافقه طويلًا بدأ يخفّ، لم يكن يعلم أن جسده كان يفرز كميات عالية من "الكورتيزول" بسبب توتره المتواصل، التسامح – كما تقول الدراسات – يطفئ هذا الهرمون ويعيد للجسم توازنه الداخلي، وهو ما شعر به أحمد لأول مرة منذ سنوات.

ومع الأيام، اكتشف أن عقله كان سجينًا للأحقاد أكثر من كونه ضحية لمواقف الماضي، كان يقضي ساعات طويلة في استحضار ما جرحه، معتقدًا أنه يعاقب الآخرين، بينما كان يعاقب نفسه، ومع أول خطوة نحو التسامح، شعر وكأنه يفتح نافذة تهوّي غرفته المغلقة منذ وقت طويل، انطلقت طاقة ذهنية جديدة، تخلّص من عبء التفكير المرهق، وبدأت قدرته على التركيز والإبداع تعود تدريجيًا.

لكن التحول الأكبر كان ليلًا، كان يعاني من الأرق، يعيد المشهد ذاته عشرات المرات قبل النوم، غير أن قرار التسامح كان كفيلًا بتهدئة ضجيج رأسه، نام بعمق لأول مرة منذ أشهر، وكأنه يضع رأسه على وسادة خالية من الألم، يقول الخبراء: إن التسامح يخفّف اضطرابات النوم لأنه يوقف إعادة تشغيل الغضب داخل الدماغ، وهذا ما شعر به أحمد بوضوح.

ومع مرور الوقت، ولدت قوة جديدة داخله، لم يعد يرى التسامح على أنه ضعف، بل قرار سيادي يثبت أنه قادر على التحكم بانفعالاته لا أن تنفعل به. ارتفعت ثقته بنفسه، وشعر بأنه استعاد جزءًا من ذاته المفقودة.

التسامح يطفئ نار "هرمون التوتر"

أولى فوائد التسامح تنعكس على الكيمياء الحيوية لأجسادنا، فعندما يحملُ الإنسان الحقد أو يستسلم للغضب المزمن، يُطلق الجسم هرمون "الكورتيزول" (هرمون التوتر) بشكل مستمر ومفرط، هذا الكورتيزول المرتفع، الذي يُعد استجابة "القتال أو الهروب"، يُدمّر جهاز المناعة على المدى الطويل ويزيد من حدة القلق المزمن،وبالتالي يعمل التسامح كمفتاح إيقاف فوري لهذه الحالة الداخلية؛ فهو يوقف سلسلة التفاعل السلبي، ويسمح لمستويات القلق والضغط النفسي بالانخفاض بشكل ملحوظ، ليعود الجسم إلى حالة السلام الداخلي.

التسامح مفتاح البوابة إلى النوم العميق

من أبرز انعكاسات الغضب المكبوت هو الأرق واضطرابات النوم. العقل المنشغل بتخطيط الانتقام أو استحضار الجروح القديمة لا يستطيع أن يدخل في حالة راحة حقيقية. التسامح يفتح الباب أمام النوم العميق، لأنّه يجلب شعورًا بالسلام والقبول. هذا التحسن في جودة النوم العميق هو أمر حيوي؛ فهو يعزّز قدرة الدماغ على التعافي، ويُقلّل من الإجهاد الجسدي والنفسي، ويُحسّن بشكل عام من المزاج واليقظة أثناء النهار.

تحرير العقل من "سجن الأحقاد

" إنّ رفض التسامح يُحوّل العقل إلى سجن حقيقي. إذ يعتقد الشخص الحاقد أنّه يعاقب الآخرين، بينما هو فعليًا يدفع ثمنًا باهظًا للماضي في مساحته العقلية. هذه "الطاقة الذهنية" المهدورة، التي تُستنفذ في التفكير المستمر في الموقف المؤلم أو التخطيط لردود متأخرة، لا يمكن توجيهها نحو الإبداع أو الإنتاج أو تحقيق الأهداف. لكن بالتسامح، يتم تحرير هذه الطاقة العقلية المكبوتة، وينتقل الإنسان من دور "الضحية" المعلّقة بالألم إلى دور "الناجي" الذي يمتلك السيطرة على زمانه ومستقبله.

التسامح يُعزّز التقدير الذاتي والقوة

التسامح هو قرار سيادي يُعزّز ثقة الإنسان بنفسه. الشخص المتسامح يختار السلام على الغضب ليس لأنّه مضطر، بل لأنه قوي بما فيه الكفاية للسيطرة على انفعالاته. هذا القرار الواعي يُعزّز شعور الإنسان بالتحكم المطلق في عواطفه، ويرفع من مستوى تقديره لذاته. عندما تعلن لنفسك أنّك لست أسيرًا لردود أفعال الآخرين وأنّك حرّرت نفسك بنفسِك، فإنّك تُؤكّد هويتك كشخص يمتلك زمام أمره.

في النهاية، أدرك أحمد أن الطريق إلى الشفاء كان يبدأ من الداخل، من قدرته على مسامحة نفسه أولًا على الأخطاء والقصور، قبل أن يمدّ التسامح للآخرين. وهكذا تبيّن له أن التسامح ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل وصفة نفسية عميقة لتقليل القلق والاكتئاب وبناء علاقات صحية… وصفة تبدأ في القلب، وتنعكس على الجسد والعقل معًا.

16-11-2025, 10:34
Go back