منصة واضح - متابعة
تعيش الولايات المتحدة منذ الشهر الماضي في ظلّ أطول إغلاق حكومي في تاريخها، إذ تجاوزت تداعياته السياسية حدود الكونغرس والبيت الأبيض لتطال حياة ملايين الأميركيين، من المطارات إلى المتاجر الصغيرة، ومن العائلات محدودة الدخل إلى موظفي الحكومة الفدرالية الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من شهر.
والإغلاق المستمر جاء نتيجة خلافات حادة بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونغرس بشأن تمرير قانون تمويل الحكومة، بعد أن فشل الحزبان في التوصل إلى تسوية حول تمويل الرعاية الصحية ضمن "أوباما كير".
فرغم محاولات التفاوض، أعلن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، جون ثيون، أن "العجلات خرجت عن المسار" في المحادثات مع الديمقراطيين، فيما قال زعيم الأقلية تشاك شومر إن حزبه مستعد لإنهاء الإغلاق مقابل تمديد الدعم الصحي لعام إضافي، وهو عرضٌ رفضته الأغلبية.
من جهته، أصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على موقفه، وسط مخاوف متزايدة من أن يؤدي استمرار الإغلاق إلى تباطؤ اقتصادي حاد، خاصة بعد تحذيرات مدير المجلس الاقتصادي القومي، كيفن هاسيت، الذي قال إن تأثير الإغلاق أصبح "أسوأ بكثير مما توقعناه في البداية".
فوضى في المطارات وتأجيل الرحلات
ومع استمرار الشلل الحكومي، تفاقمت أزمة السفر الجوي، فقد أعلنت هيئة الطيران الفدرالية عن خفض بنسبة 4% في الرحلات الداخلية يوم الجمعة الماضي بسبب نقص موظفي المراقبة الجوية، ما أدى إلى إلغاء أكثر من ألف رحلة وتأخير آلاف أخرى في نحو 40 مطارًا رئيسيًا، بينها واشنطن، وأتلانتا، وسان فرانسيسكو، ونيوآرك، بحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية.
وفي لاغوارديا بنيويورك، عبّر مسافرون عن غضبهم بعد تعطّل خطط سفرهم، فيما قالت أليشا ليفا، التي كانت تستعد للزواج في فلوريدا، إنّ نصف ضيوفها قد لا يتمكنون من الوصول بسبب التأخيرات. وقال مسافر آخر غاضب: "الناس يعانون فعلاً... ليس فقط المسافرون، بل الاقتصاد كله يتأثر، وأنتم في واشنطن تتحملون المسؤولية".
غذاء مهدد... ومعاناة للأسر الفقيرة
كما تأثرت برامج الدعم الغذائي أيضًا، إذ واجه أكثر من 40 مليون أميركي خطر انقطاع إعاناتهم ضمن برنامج المساعدات الغذائية (SNAP). ورغم أن محكمة فدرالية أمرت الحكومة بدفع المستحقات كاملة، علّقت المحكمة العليا القرار مؤقتًا، ما زاد من الغموض حول توقيت صرف المساعدات.
وقالت لورا باولز، وهي أم لخمسة أطفال في ولاية فرجينيا الغربية، إنها تواجه صعوبة في إطعام أسرتها، مضيفة: "أسعار المواد الغذائية مرتفعة جدًا بالفعل. كنا بالكاد نكفي، والآن لا نعرف كيف سنطعم الأطفال هذا الأسبوع."
فيما حذر الاقتصاديون من أن توقف المساعدات سيؤثر أيضًا على الأسواق الصغيرة التي تعتمد على مشتريات المستفيدين من هذه الإعانات، خصوصًا في المناطق الريفية والقبلية حيث يشكل المستفيدون نسبة تتجاوز 40% من السكان.
خيارات صعبة لموظفي الحكومة
ووسط هذا المشهد الفوضوي، لم يتلق ما يقرب من مليوني موظف فدرالي رواتبهم منذ أسابيع. وقالت ليزا موراليس، وهي ممرضة تعمل في قاعدة عسكرية بتكساس، إنها دفعت إيجارها لشهري أكتوبر ونوفمبر، لكنها لم تعد قادرة على الاستمرار.
وتابعت: "العمل مستمر، لكننا لا نتقاضى شيئًا. لا يمكننا التقدم للحصول على إعانة بطالة لأننا نُعتبر على رأس العمل. إذا استمر الوضع، سأبحث عن وظيفة جديدة قريبًا."
وفي ولاية فرجينيا، امتلأت معارض التوظيف المؤقتة بموظفين فدراليين يبحثون عن فرص بديلة، وقال أحدهم قال لشبكة "سي إن إن": "لم أعد أتلقى راتبي. لديّ عائلة صغيرة، ولا أعرف كيف سأدفع الإيجار أو أقساط السيارة".
خطر اقتصادي يلوح في الأفق
هذا ويخشى الخبراء أن يتسبب استمرار الإغلاق في تباطؤ حاد بالنمو الاقتصادي الأميركي خلال الربع الأخير من العام، إذا توقف الإنفاق الحكومي الضخم الذي يشمل البنية التحتية والدفاع والزراعة. وقال أحد المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض: "إذا استمر الإغلاق شهراً إضافيًا، فقد نشهد أسوأ أداء اقتصادي خلال عقد".
وفي وقت تتزايد فيه الضغوط من قطاعات السفر والتجزئة والطاقة، يبقى مصير الأزمة رهينًا بتفاهم سياسي بعيد المنال، بينما يعيش المواطن الأميركي بين القلق واليأس من انقسام واشنطن. فيما الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة لم يعد قضية حزبية فحسب، بل أزمة معيشية واقتصادية وطنية.
فمن المطارات المزدحمة إلى رفوف المتاجر الفارغة، ومن عائلات تنتظر قسائم الغذاء إلى موظفين بلا رواتب، أصبحت آثار الشلل الحكومي ملموسة في كل ولاية... وحتى مع تزايد الدعوات لإنهائه، لا تزال واشنطن غارقة في المساومات السياسية، بينما يدفع المواطنون الثمن كل يوم.