منصة واضح -تقرير
يشهد سوق السيارات الصينية في العراق موجة من النشاط غير المسبوق خلال السنوات الأخيرة، إذ أصبحت السيارات القادمة من مصانع بكين وشنغهاي جزءًا مألوفًا في شوارع بغداد والبصرة وأربيل. فقد وجد فيها المواطن العراقي ضالته بين السعر المناسب والمواصفات التي تلبي احتياجاته اليومية دون أن تثقل كاهله مالياً.
السيارات الصينية لم تعد مجرد خيار اقتصادي فحسب، بل تحولت إلى منافس حقيقي للماركات العالمية، بعد أن طورت الشركات المصنعة تصميماتها وأضافت إليها أنظمة ترفيه حديثة وكاميرات للرؤية الخلفية وأنظمة أمان ذكية، في محاولة لمحاكاة السيارات الأوروبية واليابانية. وهكذا، أصبحت تلك المركبات بمثابة "السيارة الحلم" للطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل المحدود في البلاد.
لكن "الحلو ما يكملش"، كما يقول المثل الشعبي، إذ يعاني السوق من تذبذب حاد في الأسعار، فبين ليلة وضحاها ترتفع الأسعار وكأنها تلتهب بحرارة الصيف، ثم تهبط فجأة كنسيم شتوي بارد، مما يربك المشترين والتجار على حد سواء. ويعزو الخبراء هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها تغيّر أسعار صرف الدولار، والضرائب الجمركية، والتنافس الشديد بين التجار، إلى جانب تفاوت الكميات المستوردة من الصين.
أحدث الموديلات التي أثارت جدلاً واسعاً في السوق هي سيارات BYD، التي جمعت بين التصميم العصري والتقنيات الصديقة للبيئة، مثل أنظمة الهايبرد والسيارات الكهربائية، ما جعلها محط أنظار الشباب ومحبي التجديد، إلا أن الإقبال الكبير عليها سرعان ما انعكس على الأسعار، فارتفعت في البداية بسبب قلة المعروض، قبل أن تبدأ بالانخفاض مع تزايد الاستيراد وتنافس التجار فيما بينهم.
ورغم أن سيارات BYD أثبتت خلوها من المشاكل المصنعية الكبيرة، إلا أن بعض المستوردين يحذرون من الإقدام على شرائها دون دراسة، مؤكدين أن السوق العراقية لا تزال تفتقر إلى الاستقرار في الأسعار وتوفر قطع الغيار، وهو ما يجعل البعض ينصح بالتمسك بسيارات "الستاندر" المعروفة في السوق والتي تحافظ على قيمتها أكثر.
غزارة الإنتاجوتنافس التجار وراء انخفاض الأسعار
وقال إبراهيم الأسدي، أحد مستوردي السيارات في العراق، في تصريح لـ "واضح" إن "إعلان شركة BYD عن سيارتها الجديدة ومواصفاتها المتقدمة أثار موجة واسعة من الطلب عليها، إلا أن محدودية المعروض في البداية دفعت الأسعار إلى الارتفاع مؤقتاً، قبل أن يسارع التجار إلى استيراد كميات كبيرة من السيارة، ما تسبب بانخفاض الأسعار نتيجة وفرة المعروض وتزايد المنافسة فيما بينهم".
وأضاف، الأسدي أن "السيارة خالية من العيوب أو المشاكل المصنعية التي قد تؤثر سلباً في قيمتها، غير أن كونها موجهة أساساً إلى السوق العراقي وممنوعة في أسواق دول الخليج لأسباب تتعلق بسياسات تلك الدول، فضلاً عن كثافة الإنتاج من قبل الشركة، تعد جميعها عوامل طبيعية ساهمت في تراجع أسعارها".
ونفى الأسدي الأنباء التي تتحدث عن أن السيارة معاد تصنيعها، مؤكداً أن "جميع السيارات المطروحة في السوق حالياً هي موديل 2025 وبمواصفات أصلية ومعتمدة من الشركة الأم".
نسخ قديمة معاد تصنيعها
وعلى النقيض، قال أحد المتابعين والمختصين في سوق السيارات، محمد الخفاجي في منشور على موقع فيسبوك، إن "السيارة التي تم تداولها مؤخرًا في الأسواق العراقية رخيصة لأنها في الأصل متوقفة عن الإنتاج، فالشركة لم تطرح منها نسخًا جديدة بعد موديل 2022، وما يصل الآن إلى البلاد هو من الجيل القديم فقط، مع بعض التحسينات الشكلية البسيطة".
وأضاف، أن "الجيل الجديد منها يتمتع بمحرك مختلف تمامًا، إذ جرى تحسين أدائه وتطوير منظومته لتفادي مشاكل ارتفاع الحرارة التي كانت تظهر في النسخ السابقة، كما أن بعض الموديلات القديمة مزوّدة بخزان وقود مزدوج مما زاد من الإقبال عليها في البداية".
وختم بالقول، إن "تراجع الأسعار طبيعي جدًا في مثل هذه الحالات، لأن توقف الإنتاج يقلل من قيمة السيارة في السوق، خاصة مع محدودية توفر قطع الغيار، مشيرًا إلى أن مصير هذه السيارة قد يشبه ما حدث سابقًا مع موديلات هيوا وشيري عندما تراجع إنتاجها ثم هبطت أسعارها بشكل كبير".
فقدان يومي مستمر
من جانبهِ رأى أحد هواة السيارات، أن "السيارة تفقد من قيمتها يومياً بنحو 100 ألف دينار تقريباً، وإذا استمر هذا الانخفاض فمن المتوقع أن يصل سعرها خلال عام إلى نحو 14 مليون دينار فقط أو أقل".
وأضاف أن "كثيرين يُغريهم شكل السيارة الخارجي والمواصفات التقنية (الفيكات)، لكن الحقيقة أن هذه السيارات تفتقر إلى توفر قطع الغيار بشكل كافٍ في الأسواق المحلية، ما يجعل صيانتها أمراً صعباً ومكلفاً في حال تعرضها لأي عطل".
وأشار إلى أن "من الأفضل للمواطنين اقتناء سيارات ستاندَر معروفة في السوق، تحافظ على قيمتها وتتوفر لها قطع الغيار بسهولة، بدلاً من المجازفة بشراء سيارات جديدة غير مستقرة في السعر أو الصيانة"، مؤكداً أن "الانبهار بالمظهر الخارجي لا ينبغي أن يغطي على واقع السوق".

ضبابية الوكالة الرسمية
من جانبه، عبّر أحد الزبائن، في تعليق على صفحة وكالة السيارة، عن استيائه من أداء الوكالة المحلية لشركة BYD، قائلاً، إن "الوكالة تعاني من ضعف في خدماتها، فعدد الموديلات المتوفرة محدود جدًا، ومعظمها يأتي من دون المواصفات التي تجعل السيارات الصينية مرغوبة لدى المستهلكين في الأصل".
وأضاف، أن "الوكالة حتى الآن لا تمتلك مراكز صيانة معتمدة في أغلب المحافظات، إذ تقتصر فروعها على بغداد وأربيل فقط، كما لا توجد معلومات واضحة عن شروط الضمان أو مدته، وهو ما يثير قلق المشترين ويضعف الثقة بالمنتج".
وتساءل في ختام تصريحه عن "السبب وراء منح وكالة BYD لهذه الجهة تحديدًا، في وقت توجد فيه شركات أخرى تقدم خدمات أفضل وأكثر شمولًا، سواء من حيث الصيانة أو توافر قطع الغيار أو التنظيم الإداري"، مشددًا على أن "الاهتمام بخدمات ما بعد البيع لا يقل أهمية عن سعر السيارة أو شكلها الخارجي".
غياب الصيانة يربك مالكي سيارات BYD
وفي الإطار ذاته، أوضح المواطن ماجد معطي الجبوري، أن "الوكالة التي أعلنت عن سيارات BYD في العراق ليست وكالة رسمية تابعة مباشرة للشركة الأم كما يُروّج لها، بل هي تاجر خاص فتح معرضًا باسم الشركة".
وأضاف، أن "الكثير من الزبائن ظنوا أن السيارات مستوردة عبر وكيل رسمي معتمد يوفر خدمات الصيانة والضمان، لكنهم اكتشفوا لاحقًا أن المعرض لا يمثل وكالة حقيقية، ولا يقدّم أي خدمات ما بعد البيع أو دعم فني معتمد"، مؤكداً أن "هذا الخلل في التنظيم تسبب بخسائر للمشترين الذين واجهوا صعوبة في الحصول على الصيانة أو قطع الغيار".
وختم الجبوري حديثه بالقول، إن "غياب الوكيل الرسمي في العراق يجعل التعامل مع سيارات BYD محفوفًا بالمخاطر، خاصة مع عدم وجود مراكز خدمة أو جهة مسؤولة يمكن الرجوع إليها عند حدوث أي خلل".
خسائر مالية سريعة
ونوّه محمود عيد، ميكانيكي سيارات وخبير في سوق السيارات العراقية، إن أسعار السيارات الصينية، وخصوصاً طرازات الهايبرد، تتسم بتقلب كبير خلال فترات قصيرة، ما يعرّض المشترين لخسائر مالية سريعة.
وأضاف عيد، "قد تشتري سيارة بسعر 19.5 مليون دينار، وبعد عشرة أيام ينخفض سعرها إلى 16.5 مليون، وقد يصل في اليوم التالي إلى 15 مليون، ما يعني خسارة محتملة تصل إلى ثلاثة ملايين خلال أيام قليلة".
وأشار إلى أن "المشكلة ليست فقط في الأسعار، بل في جودة هذه السيارات على المدى الطويل، قائلاً، "بعد سنة لن تستطيع التعامل مع أعطالها بسهولة، وبعد سنتين ستضطر للبحث عن قطع غيار قديمة أو استبدال المحرك بقطع مستعملة من موديلات أخرى، وبعد ثلاث سنوات ستصبح السيارات الصينية الجديدة اليوم مشابهة لوضع سيارات مثل شيري والسمند الآن".
وحذّر عيد من الاعتماد على التجار لحماية المستهلك، "التاجر العراقي لا يحميك، ولا توجد شركات صيانة رسمية تدعم هذه السيارات، وأنت تتحمل المخاطر بالكامل. السيارات الصينية الرخيصة جداً لا تأتي مع ضمان طويل أو جودة عالية، فالسعر المنخفض غالباً لا يعني أن السيارة ستصمد أو توفر مصاريف الوقود كما يظن البعض".
وأضاف أن "هناك سيارات صينية أخرى بسعر أعلى وجودة أفضل، لكنها استثناء، مؤكداً أن السوق العراقي مليء بالمنتجات الرخيصة التي لا تفي بالغرض، وأن المشترين يجب أن يكونوا حذرين ويختاروا بعناية".




















