في تطور لافت يعيد رسم ملامح العلاقة بين واشنطن وموسكو، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد، ترحيبه بعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية، واصفاً إياه بأنه «فكرة جيدة» تستحق الدراسة والبناء عليها. وجاء تصريح ترامب للصحفيين أثناء مغادرته البيت الأبيض، في وقت لا تزال فيه موسكو تنتظر رداً رسمياً من الولايات المتحدة بشأن العرض الذي قدّمه بوتين الشهر الماضي، والذي تضمّن الحفاظ على القيود المفروضة على حجم الترسانتين النوويتين الأكبر في العالم، وفقاً لاتفاق «نيو ستارت» الموقع عام 2010، على أن تلتزم واشنطن بالمستويات ذاتها من الحدّ.
ويبدو أن هذه المبادرة الروسية تأتي في لحظة حرجة تتسم بتوتر متصاعد بين البلدين، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع ترامب وبوتين في ولاية ألاسكا منتصف أغسطس، وما أعقبه من أنباء عن تحليق طائرات مسيّرة روسية بالقرب من المجال الجوي التابع لحلف شمال الأطلسي، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي والأمني بين الجانبين. ورغم ذلك، ينظر مراقبون إلى تصريحات ترامب الأخيرة على أنها إشارة إيجابية نادرة في مسارٍ يشهد تصعيداً حاداً منذ أشهر، إذ يرى البعض أن إعادة إحياء اتفاق «نيو ستارت» قد تشكل نافذة جديدة لإحياء الحوار الاستراتيجي بين القوتين النوويتين.
غير أن بوادر الانفراج لا تخلو من غيوم التهديدات المتبادلة، فقد حذّر بوتين في مقطع مصوّر بثّته وسائل إعلام روسية من أن قرار واشنطن تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» بعيدة المدى، القادرة على ضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، «سيقضي تماماً على أي أمل في تحسن العلاقات بين البلدين». وفي المقابل، صرّح نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس الشهر الماضي بأن الولايات المتحدة تدرس بالفعل الطلب الأوكراني للحصول على هذه الصواريخ، التي يصل مداها إلى نحو 2500 كيلومتر، ما يجعل العاصمة الروسية موسكو ومعظم مناطق روسيا الأوروبية ضمن نطاقها. لكن مصادر مطلعة أشارت إلى أن مخزون واشنطن من هذه الصواريخ مرتبط إلى حدّ كبير بالتزاماتها البحرية، ما يجعل خيار التوريد محدوداً ومعقداً من الناحية اللوجستية والاستراتيجية.
وبين ترحيب ترامب المشروط بمبادرة بوتين وتحذيرات الأخير من الخطوط الحمراء في أوكرانيا، يبدو أن العلاقة بين واشنطن وموسكو ما زالت عالقة بين الأمل في التفاهم والخطر الدائم للتصعيد، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة ولكن بأدوات أكثر دقة وحداثة، حيث تتقاطع لغة الدبلوماسية مع صدى الصواريخ بعيدة المدى، ويظل العالم يترقب إن كان هذا الانفتاح الأميركي الجديد مجرد لحظة سياسية عابرة أم بداية لمرحلة أكثر هدوءاً في سباقٍ لا يحتمل الخطأ.