منصة واضح - رياضة

تنطلق صافرة البداية لبطولة كأس العالم لكرة القدم من ستاد أزتيكا في مكسيكو سيتي يوم 11 يونيو/حزيران المقبل، على أن تحتضن الولايات المتحدة معظم المباريات، بما فيها النهائي المرتقب في ملعب "ميتلايف" بنيوجيرسي.

لم يتبق سوى 8 أشهر فقط، لكن بدلا من أجواء التحضير السلس، تواجه البطولة أزمات متلاحقة، مثل مواجهة الأجواء الحارة وإصلاح أرضيات الملاعب التي ظهرت مساوئها في مونديال الأندية 2025.

وفي غضون ذلك جاء الإعلان عن الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة مساء الثلاثاء، ليثير التساؤلات حول ما إذا كانت البطولة المرموقة ستقع تحت تهديد آخر بشأن التنسيق الأمني واللوجستي.

ما هي الآثار المترتبة؟

الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لا يعني توقف الدولة كليا، فالموظفون الأساسيون مثل ضباط الجمارك ومراقبي الحركة الجوية يواصلون عملهم.

لكن الخبرة السابقة تؤكد أن غياب الرواتب ينعكس سريعا على المعنويات، ويؤدي إلى تزايد الغيابات الطوعية، ما يسبب ازدحامات وتأخيرات في المطارات على سبيل المثال.

وفي بطولة عالمية بحجم المونديال، حيث يتدفق عشرات الآلاف من المشجعين والإعلاميين والمنتخبات في آن واحد، أي خلل في المطارات قد يكون كارثيا.

الأمر لا يتوقف عند السفر. فوزارة الأمن الداخلي الأمريكية (DHS) تصنّف المباريات الكبرى ضمن مستويات "الحدث الخاص"، وهو تصنيف يفتح الباب أمام توفير موارد أمنية اتحادية استثنائية تُستخدم عادةً في مناسبات بحجم تنصيب الرؤساء.

لكن هذه الموارد تحتاج إلى تخطيط دقيق، تدريبات مشتركة، وجدولة عمليات، وجميعها تعتمد على موظفين تم تجميدهم أو أُجبروا على إجازة غير مدفوعة بسبب الإغلاق.

وتأجيل اجتماع أمني هنا أو إلغاء مناورة افتراضية هناك قد ينعكس فراغا في أرض الواقع مع انطلاق البطولة.

الإدارة الفيدرالية للطيران (FAA) حذرت من اضطرارها إلى تسريح أكثر من 11 ألف موظف غير أساسيين. هذا يعني استمرار تشغيل الملاحة الجوية الأساسية، لكن دون توقّف عمليات التدريب والمراجعات والتوظيف الجديدة.

أما لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC)، المسؤولة عن ترخيص ترددات البث والاتصالات اللاسلكية داخل الملاعب، فهي عمليا تتوقف عن العمل خلال أي إغلاق. ولأن المونديال سيكون أكبر حدث إعلامي منقول على الهواء في التاريخ، فإن أي تأخير في اعتماد التراخيص أو معالجة الطعون يشكل مصدر قلق حقيقي للمنظمين.

المشاكل الأخرى

وفقا لبي بي سي "الإغلاق هو نتيجة لعجز الحزبين الديمقراطي والجمهوري عن التوصل إلى توافق لإقرار مشروع قانون يموّل الخدمات الحكومية خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري وما بعده".

وحتى في حال تجاوزت الولايات المتحدة أزمة الإغلاق سريعا، وهو الأمر المتوقع، قياسا بأن أطول إغلاق لم يستغرق سوى 35 يوما وانتهى في يناير/كانون الثاني 2019، تظل حرارة الصيف الأمريكي تحدياً قائماً.

وعلى عكس مونديال قطر 2022 الذي نُقل إلى الشتاء، ستقام مباريات مونديال 2026 في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، حيث تسجل مدن مثل دالاس وهيوستن وكانساس سيتي درجات حرارة تتجاوز 35 مئوية وربما تصل إلى 40، كما ظهر في كأس العالم للأندية التي أقيمت في التوقيت ذاته هذا العام.

الاتحاد الدولي لكرة القدم وعد بتنظيم فترات توقف لشرب المياه، وتغيير مواعيد بعض المباريات لتقليل أثر الشمس، وتجهيز الطواقم الطبية بشكل استثنائي. لكن المخاطر تظل كبيرة: لاعبو المنتخبات قد يواجهون صعوبات في استعادة لياقتهم بين المباريات، فيما قد يتعرض المشجعون في المدرجات والساحات الجماهيرية لمشاكل صحية مرتبطة بضربات الشمس والجفاف.

أزمة التذاكر

كأس العالم يعتبر "عيد الجماهير" وملتقى الثقافات. لكن أسعار التذاكر التي طرحتها "فيفا" حتى الآن أثارت موجة من الاستياء. فالجماهير اعتبرت الأسعار باهظة إلى حد يُقصي الفئات العادية، خصوصا القادمين من خارج الولايات المتحدة الذين يتحملون أصلا تكاليف باهظة للسفر والإقامة.

الجدل يتصاعد حول شبهة غياب العدالة، ما قد يضر بصورة البطولة كحدث شعبي عالمي. كما أن المخاوف من المضاربة على التذاكر وإعادة بيعها بأسعار خيالية باتت حقيقية. والأخطر أن نظام التذاكر الإلكتروني قد يتعرض لهجمات سيبرانية.

نضيف إلى ذلك، أن مواعيد إقامة المباريات في غير أيام العطلة الأسبوعية، لا تشجع الأمريكيين أنفسهم على حضور المباريات خصوصا التي تقام قبل غروب الشمس، وهو ما ظهرت آثاره بقوة عبر مدرجات خاوية في مونديال الأندية الماضي.

أرضيات الملاعب

أحد التحديات المعقدة يتمثل في أرضيات الملاعب. كثير من الملاعب الأمريكية مخصص أساسا لكرة القدم الأمريكية وتحتوي على عشب صناعي. لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يشترط أن تقام جميع مباريات المونديال على عشب طبيعي.

هنا برزت مشكلة: زراعة عشب طبيعي مؤقت فوق أرضيات اصطناعية لملاعب عملاقة مثل "ميتلايف" أو "AT&T" قد تكون وصفة لمشاكل مبكرة.

التجربة القريبة في كأس العالم للأندية، أظهرت الأرضية في حالة مزرية بعد عدد محدود من المباريات، ما يرفع مستوى القلق. فالضغط على فرق الصيانة كبير، والتأخير في تركيب أو اختبار هذه الأرضيات خلال الأشهر القليلة المقبلة قد يجعلها غير جاهزة حين يبدأ العالم بمراقبتها بدقة مع انطلاق الحدث الكبير.

الملاعب ليست وحدها تحت المجهر. المدن المضيفة تسابق الزمن لتطوير شبكات النقل العام، الطرق السريعة، وأنظمة إدارة المرور لتتسع لمئات الآلاف من الزوار. كثير من هذه المشاريع يعتمد على منح فيدرالية أو على تعويضات مالية من الحكومة المركزية. ومع استمرار الإغلاق، تجمّد الموافقات على الصرف أو تتأخر المدفوعات، ما يضع البلديات أمام ضغوط مالية إضافية.

الخطر الأكبر يكمن في النقل الجماعي. نيويورك ولوس أنجيلس وغيرهما تحتاج إلى دعم حكومي لتوسعة الخدمات وتحديث الأنظمة الذكية. أي تعطيل في التمويل الآن قد يهدد قدرة هذه المدن على استيعاب موجات الجماهير المنتظرة.

عاصفة مثالية من التحديات

قد يكون من الممكن التعامل مع كل تحدٍ على حدة: تأمين الملاعب، تكييف مواعيد المباريات، معالجة شكاوى التذاكر، أو تحسين أرضيات الملاعب. لكن اجتماع هذه التحديات في وقت واحد، مع اقتراب صافرة البداية، يخلق مناخا من القلق حول جاهزية البطولة الأكبر في تاريخ اللعبة.

العالم ينظر إلى الولايات المتحدة بوصفها العمود الفقري لتنظيم نسخة 2026، في حين تستضيف كندا والمكسيك عدداً محدوداً من المباريات. وأي خلل في المطارات أو أنظمة التذاكر أو حتى في جودة الملاعب سينعكس فوراً على سمعة البطولة كلها.

ما زالت كأس العالم 2026 تمثل فرصة استثنائية: 48 منتخباً، جماهير قياسية، وأضخم عرض كروي في قارة بأكملها. لكن هذه الفرصة قد تُشوَّه إذا لم تُعالج التحديات بسرعة. فالإغلاق الحكومي الأميركي ليس مجرد أزمة سياسية داخلية، بل عامل مباشر قد يشل التخطيط الأمني واللوجستي والرقمي للبطولة.