شهدت السنوات الأخيرة دخول الذكاء الاصطناعي بقوة إلى حياتنا اليومية، ليس فقط في مجالات العمل، بل أيضاً في التعليم، الترفيه، وحتى التفاعل الاجتماعي. ومع استمرار تطور هذه التقنيات بوتيرة متسارعة، من المتوقع أن يكون عام 2026 مرحلة محورية تُظهر التأثيرات طويلة المدى للذكاء الاصطناعي على حياتنا، على نحو لم يعد من الممكن تجاهله. هذه التأثيرات لن تقتصر على تحسين الرعاية الصحية أو تسهيل التعليم فحسب، بل ستمتد لتشمل الاكتشافات العلمية، الإدارة الذكية للموارد، وتسهيل عدد كبير من جوانب حياتنا اليومية، بينما ستستدعي مجابهة تحديات اجتماعية واقتصادية جديدة تتعلق بالطاقة والخصوصية والأمان الوظيفي.
من بين أبرز التوجهات المتوقعة في 2026، يبرز الدور المتنامي لوكلاء الذكاء الاصطناعي. هذه الكيانات الرقمية لم تعد مجرد مساعدين افتراضيين، بل تحولت إلى وكلاء مستقلين قادرين على تنفيذ مهام معقدة، من حجز الرحلات وإدارة الأجهزة المنزلية الذكية، إلى تنسيق المشاريع في بيئات العمل والتواصل مع الشركاء لتحقيق أهداف بعيدة المدى. ويُتوقع أن يصبح الاعتماد على هؤلاء الوكلاء جزءاً أساسياً من الحياة اليومية، بحيث تتعامل الأجيال القادمة معهم كما تتعامل مع الكهرباء أو الإنترنت، باعتبارهم أدوات طبيعية لإدارة حياتهم الشخصية والمهنية.
على صعيد المحتوى الرقمي، تشير التوقعات إلى أن المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي قد يشكل بحلول 2026 نحو 90% من إجمالي ما يُنشر على الإنترنت. هذا التطور يفتح أبواباً واسعة للإبداع وتوسيع الإنتاجية الرقمية، لكنه يحمل في الوقت ذاته مخاطر تتعلق بالمصداقية والخصوصية، وقد يؤدي إلى تراجع حضور المحتوى البشري الأصيل على الإنترنت، ما يفرض على المجتمعات البحث عن أساليب جديدة لتمييز المحتوى القيم من المحتوى السطحي أو المضلل.
أما سوق العمل، فستظهر فيه ملامح التحوّل بشكل أوضح. فالذكاء الاصطناعي والأتمتة سيؤثران على طبيعة الوظائف المطلوبة، مع ظهور وظائف جديدة مثل مهندسي الأوامر التوجيهية، المتخصصين في صياغة مطالبات دقيقة لأدوات الذكاء الاصطناعي، ومتخصصي دمج الذكاء الاصطناعي، المسؤولين عن إدماج هذه التقنيات بسلاسة في أنظمة الشركات. في المقابل، قد تستغل بعض المؤسسات هذه التطورات لتقليص أعداد الموظفين التقليديين وتقليل النفقات، ما يخلق حالة من التحدي أمام القوى العاملة التقليدية ويزيد من التنافسية في سوق العمل.
من المتوقع أيضاً أن يمتد الذكاء الاصطناعي إلى العالم المادي بشكل أكبر، حيث ستزداد تطبيقاته في المركبات الذاتية القيادة، الروبوتات الشبيهة بالبشر في المستودعات وورش البناء والمستشفيات، وشبكة الأجهزة المتصلة ضمن ما يعرف بـإنترنت الأشياء، لتصبح الأنظمة المادية أكثر ذكاءً واستجابة لاحتياجات المستخدمين.
وفي المجال الصحي، سيصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا غنى عنه في الممارسة الطبية اليومية. فقد ظهرت أدوات طبية مدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل النبضات، كشف الأمراض، ومتابعة تعافي المرضى خلال ثوانٍ. هذه الابتكارات ستُدمج تدريجياً في الممارسات السريرية الروتينية، من التشخيص إلى تطوير الأدوية، ما يفتح آفاقاً جديدة للرعاية الصحية الذكية والشخصية.
لكن التوسع السريع للذكاء الاصطناعي يرفع من استهلاك الطاقة، إذ توقعت وزارة الطاقة الأمريكية أن تصل مساهمة مراكز البيانات في استهلاك الكهرباء إلى 12% بحلول 2028. لذا، ستركز الشركات في 2026 على ابتكار حلول موفرة للطاقة، سواء من خلال تحسين أنظمة التبريد والطاقة للمعالجات، أو استكشاف مصادر طاقة بديلة، مثل المفاعلات النووية الصغيرة التي تعمل عليها بعض الشركات الكبرى.
باختصار، سيكون عام 2026 نقطة تحول حقيقية، حيث تبدأ تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل تفاصيل حياتنا اليومية، سواء في العمل أو التعليم أو الصحة أو الترفيه. ومع هذه الفرص الهائلة، تأتي تحديات كبيرة تتعلق بالطاقة، الخصوصية، سوق العمل، والمصداقية الرقمية. ومواكبة هذه التوجهات ستصبح شرطاً أساسياً للبقاء والنجاح في العقد القادم، لكل من الأفراد والشركات والمجتمعات.