أكد السفير الأميركي السابق في العراق والمبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا، جيمس جيفري، أن العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق ستظل قائمة حتى في حال انسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية، مشيراً إلى أن وجود القوات الأميركية لم يعد يعتمد على العدد الكبير من الجنود على الأرض، بل على آليات التدريب والمراقبة والمعلومات الاستخبارية المتاحة عبر السفارة والمكاتب الملحقة بها.

وقال جيفري في مقابلة مطولة، إن القاعدة الأميركية في العراق تعمل بشكل أساسي على التدريب والتجهيز وتبادل المعلومات الاستخبارية، مشدداً على أن العلاقة الأمنية ستستمر سواء من خلال مكتب التعاون الدفاعي الملحق بالسفارة أو عبر أي مذكرة تفاهم جديدة مع قوات البيشمركة. وأضاف: "حتى لو انسحبت الوحدات العسكرية الأميركية، ستبقى هناك علاقة أمنية قوية، وإذا تعرض العراق لأي تهديد خارجي، فمن المؤكد أن الولايات المتحدة ستتدخل فوراً لدعمه".

وتطرق جيفري إلى مستقبل العلاقة مع قوات البيشمركة وإقليم كوردستان، مؤكداً أن أميركا ستستمر في الشراكة معهم كشريك أساسي في الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب. وأشار إلى أن تحسين الوضع الأمني في العراق يسهم في تشجيع الاستثمار وتطوير الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن استقرار العراق ضرورة لتحقيق تنمية مستدامة والاستفادة من الفرص الاقتصادية، بما في ذلك الانفتاح على الخارج والاستفادة من التكنولوجيا والخبرات العالمية.

وعن التوازن بين تقليل الوجود العسكري الأميركي ومواجهة التهديدات، أوضح جيفري أن معظم العمليات ضد تنظيم داعش تُدار حالياً في سوريا، مع بعض الدعم من العراق، لكن يمكن التحرك أيضاً من الأردن وتركيا إذا لزم الأمر. وأضاف أن النفوذ الإيراني في العراق يمثل تحدياً أساسياً، وأن الولايات المتحدة تعتمد على الدبلوماسية في التعامل مع هذا النفوذ، مؤكداً أن أي تهديد عسكري من إيران ضد العراق أو حلفاء أميركا سيقابله ردّ حاسم من واشنطن.

وأشار جيفري إلى أن الحكومة العراقية المقبلة ستكون محوراً في تقليل نفوذ الفصائل المسلحة، مؤكداً دعم الولايات المتحدة لبعض قرارات رئيس الوزراء الحالي، ومنها سحب قانون كان سيزيد من دور الحشد الشعبي في الدولة. وأكد أن استمرار العلاقات الأميركية مع العراق يعتمد على قدرة الحكومة على تحمل المسؤولية الأمنية والسياسية والاقتصادية وتعزيز علاقتها بالعالم الخارجي.

وعن سوريا، استعرض جيفري التحديات المعقدة ما بعد الأسد، مشدداً على أهمية وحدة الدولة السورية وعدم تشجيع مناطق ذاتية الحكم بطريقة قد تؤدي إلى تصعيد النزاعات. وأوضح أن الولايات المتحدة تترك للشعب السوري حرية اتخاذ القرار بشأن الحكم المحلي والإدارة الذاتية، مع التركيز على أن كل مجموعة، سواء كانت كردية أو درزية أو علويّة أو مسيحية أو تركمانية، يجب أن يكون لها دور في إدارة شؤونها، بما يضمن السلام والاستقرار في المنطقة.

وأضاف أن السياسة الأميركية تهدف إلى دعم استقرار الشرق الأوسط عبر شراكات استراتيجية طويلة المدى، مع تقليل حجم الالتزام العسكري المباشر، مع الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وضمان مرور التجارة والطاقة بشكل آمن، مع التعامل مع التهديدات مثل الجماعات المسلحة أو الكوارث الإنسانية واللاجئين.

كما شدد جيفري على أن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع أي حكومة عراقية تُنتخب بعد الانتخابات المقبلة، وأن أي إدارة جديدة يمكنها الاستفادة من العلاقات الوثيقة التي تربط أميركا بالعراق وإقليم كوردستان، مؤكداً أن الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق وسوريا يحقق مصالح العراقيين والأميركيين وجميع شعوب المنطقة.

وأضاف أن أي تدخل أميركي في سوريا يتركز على تنسيق العلاقات بين الأطراف المحلية والدولية لضمان استقرار الدولة ووحدة أراضيها، مع احترام خيارات الشعب السوري وتطلعاته، وعدم فرض أي نموذج لامركزي أو فيدرالي إلا بما يحقق التوافق بين جميع المكونات. وأوضح أن العلاقات مع القوات الكردية في شمال شرق سوريا، بما فيها قوات سوريا الديمقراطية، ستستمر في نطاق التعاون العسكري ضد تنظيم داعش، مع مراقبة دقيقة لأي نشاط قد يهدد الأمن الإقليمي.

واختتم جيفري حديثه بالتأكيد على أن الولايات المتحدة تعمل باستراتيجية شاملة تجاه الشرق الأوسط، تهدف إلى خلق منطقة مستقرة وآمنة، مع تقليل الالتزامات المباشرة، والاستفادة من الشراكات الاستراتيجية مع العراق وسوريا والدول المجاورة، لضمان الاستقرار السياسي والعسكري والاقتصادي في قلب المنطقة الأكثر تعقيداً في العالم.