منصة واضح - صلاح الدين
من يتصور أن أقدس الروابط الإنسانية، رابطة الدم والأخوة، يمكن أن تتحول في لحظة إلى ساحة صراع دموي؟ أن يصبح الأخ قاتلا وأخوه ضحية؟ لكن المال والمصالح الشخصية حين تدخل بين أفراد العائلة، قد تطيح بكل شيء، كما حدث في هذه القصة المأساوية التي وقعت بسبب خلاف على إرث يتعلق بأرض زراعية في محافظة صلاح الدين.

البداية كانت خلافات متكررة بين الشقيقين حول قسمة الأرض. المدان، الذي ضاق ذرعا بالمنازعات، يقول في إفادته: "طلبت منه مرارا أن يخرج من الأرض، لكنه كان يرفض ويستفزني بتصرفاته". ومع تراكم التوتر، تحوّل الخلاف الصامت إلى مواجهة مفتوحة في يوم الحادثة.

كان المدان يحمل بيده بندقية كلاشنكوف. في البداية أطلق رصاصة نحو الأرض، محاولة منه ـ كما قال لاحقا ـ لترهيب شقيقه ودفعه إلى التراجع. لكن بدلا من أن تخمد النيران، زاد الموقف اشتعالا. اندلع شجار بالأيدي، وفي لحظة غضب فقد فيها المدان السيطرة، صوب سلاحه مباشرة نحو صدر شقيقه، وضغط الزناد. سقط الرجل أرضا والدماء تغطي ملابسه، فيما ساد صمت ثقيل كأن الحياة توقفت فجأة.

سارع ذوو الضحية والجيران إلى نقله نحو أحد المستشفيات القريبة، لكن الرصاصة كانت قد اخترقت صدره مباشرة، ولم يكن بالإمكان إنقاذه. فارق الحياة قبل أن يصل إلى غرفة الطوارئ، بينما اختفى شقيقه القاتل فارا إلى محافظة أخرى، محاولا الهروب من مصيره.

شهود العيان والمدعون بالحق الشخصي أجمعوا على أن السبب الرئيس وراء الجريمة هو خلافات الإرث، وأن شجارات متكررة بين الشقيقين سبقت هذه النهاية المأساوية.

الشرطة ألقت القبض على المدان بعد مطاردة، ليقف لاحقا أمام القضاء معترفا بجريمته بشكل صريح، مؤكدا أنه أطلق النار من بندقيته نحو شقيقه بسبب خلاف على قسمة الأرض الزراعية.

وبعد استعراض الأدلة، التي شملت اعترافات الجاني، وأقوال ذوي المجنى عليه، والتقرير التشريحي، رأت المحكمة أن الأدلة كافية ومقنعة لإدانة المتهم. فصدر الحكم بحقه بالسجن خمس عشرة سنة استنادا إلى أحكام المادة 405 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

انتهت القضية، لكن جرحها ظل مفتوحا في قلوب العائلة. فالمجنى عليه رحل إلى الأبد، والمدان يقضي سنوات عمره خلف قضبان السجن، لتبقى هذه الحادثة شاهدا مؤلما على كيف يمكن لخلافات المال والإرث أن تحوّل قداسة الأخوة إلى مأساة دامية.