واضح – تقرير
أثارت تصريحات السفارة الأميركية في بغداد، مؤخرًا قلقًا واسعًا بشأن الوضع الأمني في العراق، خصوصًا في ظل العمليات المستمرة لتنظيمي داعش والقاعدة والتوسعات الإقليمية لهذين التنظيمين.
وجاء في بيان السفارة الأميركية أن الولايات المتحدة "تواصل إعطاء الأولوية للشراكات مع الحلفاء والجهات الفاعلة الإقليمية في مكافحة الإرهاب"، مُعربةً عن قلقها العميق من استمرار نشاط التنظيمين الإرهابيين في العراق والمنطقة.
وأشادت واشنطن بالدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي ساهمت في الحد من نشاط هذه التنظيمات عبر جهود مشتركة في العراق وسوريا والصومال.
تزامن هذا التحذير مع بدء القوات الأمريكية الانسحاب الفعلي من قاعدة "عين الأسد" بمحافظة الأنبار غرب العراق، في خطوة وصفها مراقبون بأنها الأولى من نوعها منذ سنوات. وشمل الانسحاب نقل أفراد ومعدات إلى قواعد شمال العراق وأخرى في سوريا، على أن يقتصر الوجود الأمريكي في العراق لاحقًا على أقل من 500 جندي في أربيل، مع انتظار إغلاق قاعدة عين الأسد نهائيًا منتصف شهر أيلول المقبل.
ورغم هذا التحرك الأمريكي، أكدت السلطات العراقية مرارًا وتكرارًا أن الوضع الأمني تحت السيطرة، وأن الخطر الإرهابي في البلاد محدود للغاية.
الحكومة العراقية تؤكد: الأمن العراقي تحت السيطرة
أوضح المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، أن "عصابات داعش الإرهابية لا تشكل خطرًا على العراق، وهي مشلولة بفضل يقظة القوات الأمنية وضرباتها المستمرة"، مضيفاً أن الحدود العراقية مؤمنة بالكامل، وأي تطورات إقليمية لا تؤثر بشكل مباشر على أمن البلاد.
وأشار النعمان إلى أن القوات الأمنية العراقية "متمكنة وعلى أهبة الاستعداد للتعامل مع أي تطورات"، مؤكداً أن عمليات الملاحقة والاستهداف اليومية لعناصر التنظيم الإرهابي تحقق نجاحات مستمرة، وأن التنظيم يتلقى ضربات متتالية تؤثر على قدرته على العمل.
وتعكس هذه التصريحات ثقة الحكومة العراقية في منظومتها الأمنية، كما أنها تؤكد على أن العراق يمتلك قدرات مؤسساتية وإدارية للتعامل مع التحديات الإرهابية دون الاعتماد الكلي على الدعم العسكري الخارجي.
في المقابل، أكد الباحث الأمني، جودت كاظم في تصريح تابعته "واضح"، أن العراق قادر على إدارة الأمن الداخلي من دون مظلة قتالية أجنبية، شرط تعزيز ثلاثة عناصر رئيسية: تدفق المعلومات الفنية، دعم الدفاع الجوي القصير والمتوسط، وتمويل مراقبة الحدود، لافتا إلى أن من دون هذه العناصر، فإن احتمال ارتفاع نشاط الخلايا الصغيرة الإرهابية يبقى قائمًا.
وأشار كاظم إلى إمكانية تقليل أثر خروج التحالف الأمريكي عبر اتفاقات ثنائية تقنية تشمل التدريب، والصيانة، ومشاركة البيانات المحدودة، بالإضافة إلى تفعيل غرفة عمليات إقليمية لضبط الحدود، ووضع خطة زمنية مرنة للانسحاب تمنح القوات العراقية هامش العمل الكامل دون اهتزاز في الأمن الوطني.
وفي هذا السياق، يعكس موقف الباحثين العراقيين وقيادات الجيش العراقي رؤية واضحة لدعم السيادة الوطنية والاعتماد على القوات العراقية في حماية البلاد، مع الاستفادة من الخبرات التقنية والتدريبية الدولية دون الانخراط المباشر في العمليات القتالية.
العمليات الأمنية المستمرة
تستمر القوات العراقية في عملياتها الأمنية ضد ما تبقى من عناصر تنظيم داعش، خصوصًا في المحافظات المحررة. وقد أعلنت قيادة الجيش سابقاً أن أعداد الإرهابيين في العراق لا تتجاوز حاليًا 400 شخص، يتوزعون في مناطق وعرة وبعيدة عن المدن الكبرى.
ووفقًا لتقارير رسمية، يختبئ هؤلاء الإرهابيون في مناطق مثل حدود نينوى وديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار، إضافة إلى بعض المناطق الحدودية بين محافظتي كركوك والسليمانية مثل وادي زغيتون، ووادي الشاي، وجبال الشيخ يونس، ووادي حوران. ويتم استهداف خطوط الإمداد الخاصة بهذه الجماعات باستمرار عبر الطيران الحربي العراقي.
الى ذلك، أكد اللواء المتقاعد جواد الدهلكي أن الاستمرار في استهداف بقايا تنظيم داعش وتدمير مخابئه يمثل ضرورة وطنية وأمنية لا يمكن التهاون بها.
وأضاف أن التنظيم لم يعد قادرًا على السيطرة أو التمدد كما في السابق، مشيرًا إلى أهمية التنسيق بين القوات الأمنية والجهات الاستخبارية وأبناء المناطق المحررة لسد أي فراغ قد يستغله الإرهابيون.
توجيهات الحكومة
أصدر رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني مؤخراً، توجيهات دقيقة للقيادات الأمنية بالتأهب الكامل، ومراجعة شاملة للخطط العسكرية، وتغيير التكتيكات التقليدية المتبعة في مواجهة تنظيم داعش. وشدد السوداني على ضرورة اتباع أساليب غير تقليدية لإضعاف قدرات التنظيم، والحد من حركته في المناطق المستهدفة.
وتعكس هذه التوجيهات حرص الحكومة على مواصلة الضغط على التنظيمات الإرهابية، وضمان حماية المدن والقرى من أي تهديد محتمل. كما تؤكد التزام بغداد بالعمل على تعزيز الأمن الوطني دون الاعتماد الكامل على القوى الأجنبية، مع الحفاظ على التعاون الدولي المحدود والمتوازن في مجالات التدريب والمعلومات الاستخبارية.
الدور المدني والاستخباري
يلعب المواطنون في المناطق المحررة دورًا مهمًا في تعزيز الأمن الداخلي، من خلال توفير معلومات محلية حول تحركات عناصر التنظيم الإرهابي. وتشير تقارير إلى أن المعلومات الميدانية من الأهالي تمثل سندًا مهمًا في كشف نشاط الإرهابيين ومواقع اختبائهم، مما يسهم في تعزيز فعالية العمليات العسكرية والاستخبارية.
كما تعمل القوات الأمنية العراقية على نشر الوعي بين السكان حول أهمية التعاون مع السلطات، بما يعزز من قدرة الدولة على منع أي نشاط إرهابي قبل وقوعه، ويضمن استمرارية الاستقرار في المناطق المحررة.
رسالة واضحة من بغداد
الرد العراقي على التحذيرات الأمريكية يعكس ثقة الحكومة في قدرتها على إدارة الشؤون الأمنية، ويؤكد على استقرار البلاد رغم التحديات الإقليمية. كما تُظهر التوجيهات الحكومية ومتابعة العمليات الميدانية حرص بغداد على حماية سيادتها الوطنية، وضمان عدم تكرار مأساة الإرهاب التي شهدتها البلاد في العقدين الماضيين.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن العراق يسير على خط متوازن بين تعزيز قدراته الوطنية، واستمرار التعاون المحدود مع الشركاء الدوليين في المجالات التقنية والاستخباراتية، بما يضمن حماية المدنيين وتأمين الحدود، دون التفريط في الاستقلالية السيادية.
يعكس التقرير المتكامل للعمليات العسكرية والاستخبارية في العراق قدرة القوات الأمنية على التعامل مع أي تهديد إرهابي داخلي. فالتنسيق بين القيادة العسكرية، الأجهزة الاستخبارية، وأهالي المناطق المحررة يضمن فعالية استراتيجيات المواجهة، ويحد من قدرة التنظيمات الإرهابية على استغلال الثغرات.