في مشهد يُعدّ الأول من نوعه منذ سنوات، كشفت وزارة التخطيط العراقية عن تراجع ملموس في معدلات الفقر، حيث انخفضت النسبة من 23% في عام 2022 إلى 17.5% حاليًا، وسط ترحيب رسمي واسع بوصفه إنجازًا يُعزى إلى برامج الحماية الاجتماعية. إلا أن هذا التفاؤل قوبل بقراءات تحليلية أكثر تحفظًا، ربطت الانخفاض بطفرة مالية مؤقتة لا تعكس تحولًا بنيويًا حقيقيًا في اقتصاد البلاد.
ووفقًا للبيانات الحكومية، فإن التحسن يعود إلى ثلاث محاور أساسية:
-
توسعة مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل أكثر من 7 ملايين مواطن.
-
تحسين مفردات البطاقة التموينية وزيادة كمياتها.
-
إطلاق حزم من القروض الميسّرة لتحفيز الشباب على إقامة مشاريع صغيرة.
لكن خلف هذه الأرقام الإيجابية، يلوّح تحذير صريح من أن التراجع قد يكون "هشًا"، تغذّيه العوائد النفطية المتزايدة التي وفرت متنفسًا للإنفاق الحكومي دون أن ترافقها إصلاحات هيكلية حقيقية.
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي شدد على أن هذا الانخفاض، وإن بدا مطمئنًا، ليس نتيجة لمعالجات اقتصادية راسخة، بل انعكاس مباشر لانتعاش أسعار النفط. وأوضح في منشور له أن أكثر من 8 ملايين عراقي ما زالوا تحت خط الفقر، وأن أي تراجع في السوق النفطية قد ينسف هذا التقدم، نظرًا لغياب التنويع الاقتصادي وتضخم الإنفاق الريعي.
ويحذر المرسومي من أن استمرار الاعتماد على الدعم الحكومي دون بناء قاعدة إنتاجية حقيقية سيؤدي إلى تفاقم التزامات الدولة، ويجعلها عرضة للأزمات مع أول هبوط في أسعار الخام، وهو ما يعكس هشاشة منظومة الرعاية الاجتماعية القائمة.
ويرى خبراء اقتصاديون أن مواجهة الفقر لا تتم عبر الإعانات العابرة، بل من خلال تبني سياسات تنموية طويلة الأمد، تستثمر الوفرة النفطية في مشاريع إنتاجية، وتوفر فرص عمل حقيقية، وتنهض بقطاعات الصناعة والزراعة والخدمات.
وفي ظل غياب استراتيجية وطنية لتنويع مصادر الدخل وتحفيز القطاع الخاص، تبقى مؤشرات الفقر قابلة للارتداد، وربما التفاقم، في حال تبددت الطفرة المالية الحالية. فالتنمية الحقيقية لا تُقاس بحجم الإنفاق، بل بمدى استدامة نتائجه، واستقلالها عن تقلبات السوق الدولية.