واضح – سياسة

خلال فترة توليه منصب رئيس البرلمان العراقي بالإنابة، خلفاً للرئيس المقال محمد الحلبوسي بقرار قضائي، أثار محسن المندلاوي جدلاً واسعاً وتوتراً متصاعداً في الأوساط السياسية، خاصة لدى القوى السنية والكردية.

جاء تولي المندلاوي المنصب في أعقاب قرار المحكمة الاتحادية العليا بإقالة رئيس البرلمان السابق، محمد الحلبوسي، في قضية أثارت جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاً بحد ذاتها. هذا القرار خلق فراغاً دستورياً في رئاسة السلطة التشريعية، ويتطلّب الصعود لمنصب الرئاسة بالإنابة لحين انتخاب رئيس دائم. وبموجب النظام الداخلي للبرلمان، يتولى النائب الأول لرئيس المجلس مهام الرئيس في حال شغور المنصب، وهو ما انطبق على محسن المندلاوي.

وكانت توجه أصابع الاتهام للمندلاوي بـ"تحجيم دور تلك القوى والتفرد بالمنصب"، في ظل سعيه المعلن أو الضمني للبقاء في سدة الرئاسة حتى نهاية الدورة البرلمانية الحالية.

ملامح المشاكل الإدارية داخل البرلمان بدأت تتضح منذ الوهلة الأولى لتولي المندلاوي، إذ ارتفعت حدة الصراع بين القوى السياسية داخل قبة البرلمان بشكل مباشر وغير مباشر معه. وبدأت الاتهامات تُوجه إليه من قبل نواب القوى السنية والكردية، مركزة على سعيه للبقاء رئيساً حتى نهاية الدورة البرلمانية الحالية، وهو ما يُنظر إليه على أنه تجاوز للدور المؤقت للمنصب.

أدت ضغوط القوى السياسية، السنية بشكل خاص، إلى اختيار محمود المشهداني لرئاسة البرلمان. إلا أن سياسة المندلاوي، بحسب المصادر، استمرت بشكل صريح نحو محاولة إقالة المشهداني كما يفسره مراقبون بأنه "سعي للعودة للرئاسة بالإنابة مجدداً". هذا التوجه دفع بنواب القوى السنية إلى عقد اجتماع حاسم بتاريخ الخامس عشر من تموز الحالي في منزل محمود المشهداني، لبحث دعوات المندلاوي الأخيرة المطالبة بإقالة المشهداني.

وأسفر هذا الاجتماع عن تأكيد دعم الكتل السنية القوي للمشهداني ورفضها التام لمحاولات إقالته من رئاسة البرلمان. بل ذهبت الكتل السنية أبعد من ذلك، مشددة على أن "التحرك المقبل سيتوجه لإقالة المندلاوي نفسه"، في إشارة واضحة إلى تصعيد محتمل للصراع داخل البرلمان.

لم تقتصر سياسات المندلاوي على إثارة حفيظة القوى السنية فحسب، بل امتدت لتشمل الجانب الكردي أيضاً. وفي هذا الصدد، صرحت النائبة سروة عبد الواحد بأن "تأخير عقد جلسة انتخاب رئيس البرلمان يتحملها الرئيس المؤقت وقتها محسن المندلاوي"، متهمة إياه بـ"قمع أصوات أغلب النواب". هذه التصريحات كانت تعكس حالة عدم الرضا الكردية عن إدارة المندلاوي للجلسات والقرارات البرلمانية.

ووفقاً للآراء السياسية، فإن الإخفاق الإداري الذي شاب فترة تولي المندلاوي للمنصب دفعه للترويج عن رئاسته للبرلمان عن طريق نواب آخرين.

وقد ألمح في وقت سابق، عضو تحالف الحسم، عبد الوهاب البيلاوي، إلى احتمالية بقاء المندلاوي رئيساً للبرلمان حتى نهاية الدورة الحالية، في محاولة لإقناع الشارع السياسي بنوايا "التشبث بالمنصب".

إلا أن هذه المحاولة اصطدمت بالدفاع القوي للقوى السنية عن مرشحها ورئيس البرلمان الحالي، محمود المشهداني، وعزمهم الواضح على إقالة المندلاوي خلال الأيام المقبلة.

 

تنامي في ثروته الشخصية

وفي جانب آخر من الاتهامات، قال المراقب السياسي صباح العكيلي مؤخراً، إن "المندلاوي كان من أبرز العوامل التي حالت دون انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب بعد إقالة محمد الحلبوسي، حيث استغل موقعه بالوكالة لتعميق الانقسام السياسي، بدلًا من حله".

وأضاف العكيلي أن "المندلاوي لم يسع إلى حسم الخلافات بين القوى السنية، بل عمل على تأزيم الموقف من خلال إدراج قوانين خلافية على جدول الجلسات، ما تسبب بمقاطعة العديد من الكتل البرلمانية وتعطيل عمل المجلس التشريعي".

ولفت إلى أن "فترة تسلمه المنصب شهدت تناميا ملحوظا في ثروته الشخصية، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة عن طبيعة المكاسب التي جنتها شخصيات معينة من حالة الفراغ السياسي واستغلال المواقع المؤقتة لتحقيق أهداف ضيقة".

وفي السياق ذاته، كان النائب محمد فاضل الدليمي قد صرح في وقت سابق، عبر منصة "إكس" بأن "المندلاوي فشل في إدارة جلسات مجلس النواب، وتجاهل عمدًا الدستور والنظام الداخلي وقرارات المحكمة الاتحادية، كما أساء إلى عدد من زملائه النواب، ما أسهم في تشويه صورة المؤسسة التشريعية أمام الشارع العراقي".

وفي وقت سابق، كشف النائب أحمد الجبوري، الذي تعرض للإساءة من قبل محسن المندلاوي، عن تفاصيل مثيرة حول ما وصفه بـ"عرقلة انتخاب الرئيس" و"تعمد الفوضى" في الجلسات الأخيرة.

 

وقال الجبوري إن المندلاوي "أساء للمؤسسة التشريعية وأساء لزميل له، والكلام الذي صدر منه لا يبرر بأي طريقة، وكان يفترض عليه الاعتذار للمؤسسة ولزملائه". هذه التصريحات تأتي في سياق الاتهامات المتكررة للمندلاوي بسوء إدارة الجلسات وعدم الالتزام بالنظام الداخلي عندما كان رئيس البرلمان بالإنابة.

وذكر الجبوري، الذي كان قد اتهم المندلاوي في وقت سابق بعرقلة انتخاب الرئيس، أنه "كان يستحق أكثر بكثير من الوصف الذي أطلقته بحقه (المندلاوي المعطل)، إنه يريد البقاء في المنصب وتعمد السماح بالفوضى في الجلسة الأخيرة، وبالاتفاق مع حزب (تقدم)، (يقوده محمد الحلبوسي)".

واختتم الجبوري حديثه بالقول إن "المندلاوي سمح لنواب حزب (تقدم) بمنع استئناف الجلسة دون أن يقدم صلاحياته وفق النظام الداخلي". هذا الأمر يؤكد، بحسب الجبوري، تهاون المندلاوي في تطبيق القواعد البرلمانية وسماحه للفوضى بالسيطرة على الجلسات. 

الباحث يحيى الكبيسي قال أيضاً في وقت سابق، بتدوينة عبر منصة "إكس"، إن "الأسطوانة الجديدة التي غنّاها (المندلاوي)، ويُردّدها من بعده آخرون عن مُرشح سُني واحد لمنصب رئيس مجلس النواب، تعني أن النية بالإبقاء على المندلاوي إلى نهاية الدورة البرلمانية، تحوّلت من رغبة إلى قرار!".

وأضاف الكبيسي أن "هناك تعارض مصالح صارخاً في إدارة (المندلاوي) بانتخابات رئيس مجلس النواب، لأن له مصلحة حقيقية في عدم انتخاب رئيس لمجلس النواب، ليستمر في هذا المنصب، ولن يكون هناك رئيس لمجلس النواب ما دام هو من يُدير تلك الانتخابات!".

 

ولم يقتصر تأثير هذا الجدل على الصراعات السياسية فحسب – بحسب خبراء في الشأن السياسي - بل امتد ليشمل أداء مجلس النواب نفسه. فالتوترات الداخلية تؤثر حتماً على سير الجلسات، وعمل اللجان، وإقرار القوانين المهمة التي تلامس حياة المواطنين. كما أن الاستقطابات الحادة قد تُعيق قدرة البرلمان على أداء دوره الرقابي والتشريعي بفاعلية كاملة، مما ينعكس سلباً على العملية السياسية برمتها في العراق.

وإن فترة رئاسة محسن المندلاوي بالإنابة، وإن كانت ضرورة دستورية، أصبحت مرآة تعكس تعقيدات المشهد السياسي العراقي، وصراع المكونات على النفوذ، والتحديات المستمرة في بناء مؤسسات قوية وراسخة بعيداً عن الاستقطابات الحادة.