منصة واضح - تقرير
لم يعد مصطلح "الفضائيين" مقتصراً على موظفي المؤسسات الصغيرة أو الأسماء الوهمية في دوائر الدولة، بل تمدد ليطال مؤسسة يُفترض أنها تمثل الشعب وتشرّع له القوانين.
إذ كشفت البيانات عن وجود 138 نائباً في البرلمان العراقي أدوا القسم الدستوري، لكنهم لم يشاركوا في جلسات البرلمان، ما أدى إلى تعطيل أعمال المجلس، وتعثر التشريع، وشلل شبه دائم في الوظيفة الرقابية، وسط غياب تام للمحاسبة.
في ظل هذا الغياب غير المبرر، يستمر النواب المتغيبون بتقاضي رواتبهم ومخصصاتهم كاملة، دون غرامات أو إنذارات، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية عن جدوى البرلمان، وعن سلوكيات سياسية تُعيد إنتاج ظاهرة "الفضائيين" بشكل أكثر استفزازاً، هذه المرة من داخل قبة السلطة التشريعية نفسها.
ويقصد بتسمية "الفضائيين" في العراق، فئتان، الأولى البطالة المقنعة في مؤسسات الدولة، وهم الأشخاص الذين يتسلمون رواتب من مؤسسات رسمية عدة، لكنهم لا يحضرون الدوام الرسمي ولا يقومون بواجباتهم، والثانية لأشخاص لا وجود لهم على أرض الواقع، وإنما عبارة عن أسماء وهمية ثُبّتت في سجلات صرف المستحقات الشهرية، لكن ما يحصل في البرلمان يمثل الفئة الأولى.
ويضم مجلس النواب 329 عضواً، وبحسب النظام الداخلي للبرلمان، فإن حضور الجلسات واجب وطني ووظيفي، إلا أن غالبية الجلسات التي يشهدها المجلس البرلمان لم يصل الحضور فيها إلى 300 عضو.
وبجردة متفاوتة أجرتها منصة "واضح" فإن عدد حضور اعضاء مجلس النواب في الجلسة الرابعة بتاريخ 2023/7/20 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية من الدورة الانتخابية الخامسة، بلغ 202 نواب، وفق جداول نشرها المرصد النيابي وموقعة بأسماء النواب الحاضرين.
بينما حضر 200 نائب فقط في الجلسة الخامسة بتاريخ 2023/7/31 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية.
وفي الجلسة السابعة بتاريخ 2023/8/3 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية حضر 209 نواب بينما غاب 120 نائباً أغلبهم لم يحضر الجلسات السابقة.
فيما حضر 180 نائبا فقط في الجلسة الحادية عشر بتاريخ 2023/8/16 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية.
وفي الجلسة الرابعة عشر بتاريخ 2023/9/12 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية، حضر 214 نائباً.
أما في الجلسة السابعة عشر بتاريخ 2023/10/1 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية حضر 178 نائبا.
بينما حضر 218 نائبا في الجلسة الثانية والعشرون بتاريخ 2023/10/15 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية من الدورة الانتخابية الخامسة.
وفي جلسة استثنائية عقدت بتاريخ 2023/11/15 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية فقد حضر 198 نائباً.
وفي جلسة استثنائية أخرى عقدت بتاريخ 2023/11/18 من الفصل التشريعي الثاني للسنة التشريعية الثانية، حضر 171 نائباً فقط.
وعلى غير العادة، فقد أعلنت رئاسة مجلس النواب بتاريخ 2024/2/1، عن قائمة بأسماء أعضاء المجلس المتغيبين عن جلسته الخامسة من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة والتي بلغت 125 غياباً أغلبهم أسماء تكررت غياباتها في الجلسات السابقة وحتى اللاحقة من التاريخ أعلاه.
وفي الجلسة السادسة بتاريخ 2024/2/12 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة، فقد حضر 200 نائب بينما غاب عن الجلسة 129 نائباً. وبتاريخ 2024/2/14 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثالثة، حضر 205 نواب فقط.
في الجلسة التي عقدت بتاريخ 2024/4/17، غاب 166 نائباً مما دعى رئاسة البرلمان لتوجيه الدائرة المالية لاستقطاع مبلغ مليون دينار من كل نائب متغيب حينها.
وعند العودة لآخر جلسة "استثنائية" عقدت لمناقشة فاجعة "هايبر ماركت الكوت"، والهجمات بالطائرات المسيرة على إقليم كردستان، فقد بلغ عدد الموقعين على الجلسة 157 نائباً، فيما حضر 127 نائباً فقط إلى داخل قاعة مجلس النواب، أي إن هناك نحو 200 نائباً متغيب عن الجلسة!.
وفي تصريح متلفز لوزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء فؤاد حسين بتاريخ 20 آذار 2025، فقد أكد وجود قرابة 100 نائب فضائي، "أدوا القسم ولم يحضروا جلسات البرلمان طيلة الدورة الحالية".
"سنّة سيئة" أسسها الحلبوسي
وتعليقاً على ذلك، كشف مدير المرصد النيابي مزهر جاسم الساعدي، عن "سنّة سيئة" سنها رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، تمثلت بحجب نشر أسماء النواب المتغيبين.
ويقول الساعدي إن "المعدل العام لغيابات أعضاء مجلس النواب، تجاوز الـ100 نائب خلال الدورة التشريعية الخامسة، إذ وصل معدل الغياب إلى 138 نائبا".
وأضاف أن "رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي سن سنّة سيئة، لم تحدث في الدورات السابقة من خلال حجب نشر أسماء النواب المتغيبين"، مبيناً أن "النظام الداخلي لمجلس النواب وقانون المجلس ينص على كشف أسماء المتغيبين للجميع".
وأكد الساعدي أن "هناك نواباً أدوا القسم ولم يصلوا بعدها إلى مبنى البرلمان"، مشيراً الى أن "رئاسة البرلمان يفترض أن تُسائل على ذلك، وهناك منظمات ارادت إقامة دعوى قضائية بحق رئيس مجلس النواب بصفته التي تواجد فيها خلال الدورة الحالية، سواء أكان محمد الحلبوسي ام محسن المندلاوي وصولاً إلى محمود المشهداني".
ووفق النظام الداخلي، تُنشر أسماء غيابات أعضاء مجلس النواب على موقع البرلمان وإحدى الصحف الرسمية، ووفق قانون مجلس النواب وتشكيلاته فإن النائب إذا غاب عن ثلث جلسات الفصل التشريعي الواحد تتم إقالته، بحسب مدير المرصد النيابي.
وأشار الساعدي إلى أن "رواتب النواب المتغيبين والفضائيين مستمرة من دون قطوعات أو غرامات، بالرغم من أن النظام الداخلي للمجلس يؤكد على استقطاع مبلغ من المال للنائب المتغيب، تحدده رئاسة البرلمان، إلا ان الرئاسة لم تطبق ذلك".
ولفت مدير المرصد النيابي إلى أن "غيابات النواب أثرت على عمل المجلس وأحدثت خللاً في انعقاد الجلسات"، واصفاً الدورتين البرلمانيتين الرابعة والخامسة بـأنهما "الأسوأ في الانتظام والتشريع".
ما عقوبة النائب المتغيب قانونياً؟
إلى ذلك، أوجز الخبير القانوني، علي التميمي، ست نقاط رأى انه يمكن من خلالها إقالة النواب المتغيبين عن جلسات البرلمان.
وقال التميمي، إن "المادة 18 من النظام الداخلي للبرلمان تنص على أن الغياب والحضور ينشر في موقع البرلمان وإحدى الصحف، وان يتم تنبيه المتغيبين للحضور بدون عذر".
وأضاف أنه "اذا وصل الغياب إلى 5 مرات متتالية أو 10 مرات متفرقة في الفصل التشريعي الواحد فبإمكان البرلمان أن يصوت على إقالة الغائب بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء، أي نصف العدد الكلي زائد واحد وفقاً لقانون الاستبدال، والبرلمان هو الذي يقرر الإقالة من عدمه وفقاً لقانون الاستبدال 49 لسنة 2007، ويكون البديل من ذات القائمة وأفضل الخاسرين وفق قرار المحكمة الاتحادية الذي فسر المادة 46 من قانون الانتخابات 9 لسنة 2020".
ونوّه الخبير القانوني أن "الغائب الذي لا يحضر بعد أداء اليمين الوارد في المادة 50 من الدستور الذي أكد على مراعات مصالح الشعب والعمل بإخلاص ومراعات مصالح الشعب وتطبيق القانون، وعدم الحضور يعني حنثاً باليمين ويخالف المادة 258 من قانون العقوبات".
وبحسب التميمي فإنه "سواء كان الغياب منفرداً أو جماعياً هو قابل للمعالجة القانونية وتطبيق قوانين الاستبدال، ويمكن للمتضرر من قرار الاستبدال الطعن امام المحكمة الاتحادية".
ويمكن لثلث أعضاء البرلمان الطلب من رئاسة البرلمان التصويت على إقالة النواب المتغيبين واستبدالهم، وفق التميمي الذي قال: "إذا صوت البرلمان بالأغلبية المطلقة لعدد النواب الكلي على ذلك يتم استبدالهم وفق المادة الأولى من قانون الاستبدال رقم 49 لسنة 2007، ويكون النواب الذين يحلون محل النواب المستبدلين من نفس القائمة وفق تفسير المحكمة الاتحادية للمادة 46 من قانون الانتخابات 9 لسنة 2020 وهم افضل الخاسرين، أي الذي يلي النائب الذي تم استبداله في نفس القائمة".
وتابع الخبير القانوني، أن "المادة 52 من الدستور متعلقة باستبدال النائب الذي يفقد أحد شروط العضوية"، لافتاً إلى أن "إجراءات الاستبدال يسبقها إنذار إلى المتغيبين من رئاسة البرلمان بضرورة حضور الجلسات من باب إسقاط الحجة".














