تواجه دول الساحل الثلاث؛ مالي والنيجر وبوركينا فاسو، واحدة من أخطر المراحل الأمنية في تاريخها الحديث، بعد أن بات مشروع الأمن الجماعي مهدداً بالانهيار إثر تفكك القوة العسكرية المشتركة التي كانت تُعَدّ خط الدفاع الأول في منطقة تموج بالصراعات المسلحة وتصاعد نفوذ الجماعات المتمردة والمتشددة.

وتأتي هذه التطورات في وقت تخنق فيه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين العاصمة المالية باماكو، بعدما نجحت في فرض حصار خانق شمل منع إمدادات الوقود عن المدينة، في مشهد يعكس هشاشة الوضع الأمني في بلد يقوده مجلس عسكري انتقالي يواجه تحديات متصاعدة.

ويرى الخبير في شؤون أفريقيا، محمد تورشين، أن الجيوش الثلاثة باتت أمام اختبار صعب لقياس قدرتها على بناء قوة موحّدة، وعلى مواجهة المدّ المتسارع للجماعات المسلحة بعد انسحاب القوات الأجنبية، وفي مقدمتها القوات الفرنسية، التي شكّل غيابها فراغاً أمنياً خطيراً.

ويوضح تورشين أن ما يحدث اليوم في مالي يمثّل دليلاً صارخاً على حجم الاختلال الأمني، إذ استطاعت الجماعات المتشددة تطويق البلاد وعزل المدنيين، في وقت تعجز فيه قوات الساحل، رغم الاستعانة بالدعم الروسي، عن تحقيق اختراق فعلي يغير موازين القوى على الأرض.

ويضيف أن انشغال موسكو بجبهتها الأوكرانية زاد من صعوبة الموقف، وترك دول الساحل في مواجهة مباشرة مع تهديدات متصاعدة دون غطاء كافٍ من الحلفاء، الأمر الذي جعل تشكيل قوة مشتركة فعّالة مهمة شبه مستحيلة في الظروف الراهنة. كما أشار إلى ضعف البنية الدفاعية لهذه الدول، وحاجتها إلى منظومات متطورة وتدريب نوعي يمكّن جيوشها من مواكبة طبيعة القتال المعقّد في المنطقة.

من جانبه، وصف الخبير العسكري عمرو ديالو ما يجري بأنه "انتكاسة غير مسبوقة" لجهود إحلال الأمن في منطقة لم تعرف الاستقرار منذ سنوات طويلة، مؤكداً أن انهيار مشروع القوة المشتركة قبل اكتمال تشكيلها يكشف عن خلافات عميقة حول التمويل والتسليح، فضلاً عن غياب التوافق حول أولويات العمل العسكري.

وخلال الأشهر الماضية، نفذت الدول الثلاث عمليات عسكرية مشتركة، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة، في حين واصلت الجماعات المسلحة توسيع نفوذها وتحقيق مكاسب ميدانية واضحة.

وتخضع العاصمة باماكو لحصار فعلي منذ سبتمبر الماضي، ورغم سلسلة الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، فإن ملامح القوة المشتركة التي كان يفترض أن تضم آلاف الجنود ما زالت غائبة.

يُذكر أن الدول الثلاث كانت قد انسحبت سابقاً من القوة العسكرية التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، قبل أن تعلن نيتها تشكيل قوة بديلة لمواجهة التحديات الأمنية، غير أن هذه الخطوة لا تزال بعيدة عن تحقيق أي تقدم فعلي على الأرض.