منصة واضح - اقتصاد

شهدت الأيام الماضية تداول أنباء حول انسحاب أو إعادة تموضع جزئي لشركة لوك أويل الروسية في العراق، وهو خبر لم يمر مرور الكرام، إذ تُعد الشركة لاعباً محورياً في حقل غرب القرنة 2، أحد أكبر الحقول النفطية العراقية، الذي يسهم بشكل كبير في الإنتاج الوطني. ويرى المتابعون أن الحديث عن تقليص نشاط الشركة الروسية لا يمكن فصله عن السياق الدولي، خصوصاً الضغوط المتزايدة على موسكو منذ الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الروسي التي أثرت على قدرة لوك أويل على تمويل مشاريعها الخارجية وإجراء التسويات المالية المتعلقة بها، بما في ذلك العراق.

تشير تقارير إلى أن العقوبات الغربية عطلت جزءاً من عمليات لوك أويل الدولية، ما أسفر عن تعقيدات في سلاسل الإمداد وتسويات المدفوعات، كما ألغت شركة تسويق النفط العراقية (سومو) تحميلات نفطية مخصصة للوك أويل خشية التعرض لمخاطر قانونية مرتبطة بالعقوبات الأميركية. هذا الواقع يشير إلى أن أي فراغ محتمل ليس مجرد قضية بسيطة، بل يرتبط بالبنية الأساسية للطاقة في العراق، أي القدرة على إخراج النفط وتصديره ومواصلة تطوير الحقول، وليس فقط رفع الإنتاج اليومي.

حتى اللحظة، لم يصدر أي بيان رسمي من وزارة النفط العراقية أو من لوك أويل بشأن انسحاب كامل، وما حدث يقتصر على تعليق مؤقت لبعض الشحنات وليس إنهاء العقد، ويستمر مشروع غرب القرنة 2 في العمل. ومن المرجح أن يؤدي هذا الوضع إلى إعادة تموضع استثماري، سواء عبر تعزيز الجهد الوطني العراقي أو عبر دخول شركات جديدة إلى الحقول الجنوبية.

العقوبات يمكن تفسيرها ضمن بند القوة القاهرة في العقود، ما يجعل تعليق الشحنات توقفاً مؤقتاً قانونياً وليس خرقاً للعقد. ومع ذلك، التأخر في تطوير المشروع يعني تأخر زيادة الإنتاج، وهو ما يمس القدرة المستقبلية للعراق على التوسع النفطي، في حين أن التأثير المباشر على صادرات النفط الحالية محدود.

فيما يخص نقل المعرفة الفنية، فالأمر ليس خسارة مؤكدة، إذ يمكن للعراق إعادة بناء قاعدة وطنية تقنية مستندة إلى خبراته السابقة، ما يعني أن أي توقف مؤقت لا يهدد اكتساب الخبرة أو استدامة إدارة الحقول.

ما يحدث اليوم ليس انسحاباً مؤكداً، بل تحولاً قيد القراءة، مرتبطاً بالعقوبات الأميركية على روسيا وتأثيرها على الجوانب اللوجستية والتمويلية، ويختبر ثلاثة ملفات متزامنة: مستقبل الشركات الأجنبية في الجنوب العراقي، قدرة العراق على بناء جهد وطني نفطي، وإدارة التعامل الاقتصادي مع الجغرافيا السياسية للطاقة.

بناءً على ذلك، يمكن القول إن التأثير المباشر على إنتاج العراق الحالي محدود، بينما تكمن نقطة الحساسية الحقيقية في التطوير المستقبلي للحقول العملاقة. ورغم هذه الظروف، يظل العراق قادراً على امتصاص التوقفات المؤقتة عبر أدواته الوطنية أو من خلال خيارات تعاقدية بديلة، ما يضمن استمرارية إدارة حقوله النفطية وفق مسار جديد يتناسب مع المعطيات الدولية الراهنة.