كشف تقرير حديث لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يوم السبت، أن الملف الأمني بين العراق وسوريا يدخل مرحلة حساسة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسط دعوات متزايدة لتعزيز التنسيق بين بغداد ودمشق لمواجهة تهديدات تنظيم داعش في المناطق الحدودية، رغم الانقسامات السياسية العراقية والضغوط الإقليمية التي تحد من أي تقدم ملموس.
وأشار التقرير إلى أن مباحثات أمنية تجري حالياً بين البلدين لمواجهة داعش، الذي رغم خسائره الميدانية، لا يزال يشكل تهديداً خطيراً، خصوصاً في المناطق الصحراوية الممتدة بين العراق وسوريا. وأكد التقرير أن تراجع دور التحالف الدولي في العراق يجعل التنسيق مع دمشق ضرورة أمنية عملية وليس ترفاً دبلوماسياً.
وذكرت الدراسة أن التوترات على طول الحدود امتدت منذ عام 2003، مع تحوّل المسار إلى ممر لعناصر التنظيم وأسلحتهم، وتفاقمت بعد 2011 نتيجة تدفق عناصر التنظيم الأجانب والجماعات المتطرفة. وأضاف التقرير أن زيارات سرية لمسؤولين عراقيين إلى دمشق ولقاءات أمنية رفيعة بين البلدين جاءت لمناقشة التهديدات المشتركة، خصوصاً مع المخاوف من استغلال الفراغ الأمني الناتج عن سقوط النظام السوري.
كما أبرز التقرير أن بغداد تسعى للتعاون مع دمشق في مراقبة المناطق الصحراوية التي أصبحت ممراً لتهريب المخدرات والأسلحة بين دير الزور والأنبار، في حين تتبنى دمشق موقفاً تحفظياً خشية أن يمنح أي اتفاق نفوذاً للفصائل العراقية ويمدد النفوذ الإيراني في أراضيها، كما حدث بعد 2013 مع مشاركة الفصائل العراقية وتنسيقها مع فيلق القدس الإيراني.
وأشار التقرير إلى أن الانسحاب المرتقب لقوات التحالف الدولي من العراق، بما في ذلك القوات الأمريكية، يمثل نقطة تحول، إذ قد يصعب على بغداد مواجهة التهديدات العابرة للحدود دون دعم الغطاء الجوي والاستخباراتي الذي كان يقدمه التحالف منذ 2014، ما قد يدفعها لإعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية والانخراط الأكبر مع دمشق لتخفيف العزلة الجيوسياسية، رغم التحديات الجوهرية المتمثلة في غياب الثقة بين مؤسسات الأمن وتضارب الأولويات والتحالفات الإقليمية.
وأكد التقرير أن القوى الإقليمية تلعب دوراً محورياً، حيث تراقب تركيا الأمر بقلق خشية توسع النفوذ الإيراني في سوريا، بينما تسعى دول الخليج لفرض بدائل وتقوية محاور عربية مستقلة عن طهران، وتبدي الولايات المتحدة اهتماماً محدوداً لكنها تشجع بشكل هادئ على تعاون محدود بين بغداد ودمشق في مكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود.
وفي الداخل العراقي، أبرز التقرير الانقسامات السياسية بين معسكر مؤيد لإيران يرفض التقارب مع دمشق، ومعسكر آخر يدعو إلى نهج براغماتي يضع الأمن القومي فوق الاعتبارات الإقليمية، ما يعرقل جهود بناء موقف عراقي موحد قادر على الموازنة بين الضغوط الإقليمية والمصلحة الوطنية.
وأشار التقرير إلى سيناريوهين محتملين للمستقبل: الأول، يشمل شراكة موسعة مع مراكز تنسيق حدودية وحملات أمنية مشتركة وإعادة تأهيل خط كركوك - بانياس، والثاني، أبسط وأكثر واقعية على المدى القصير، يتمثل في استمرار تعاون أمني محدود مع تبادل معلومات استخبارية وعمليات سرية دون تطبيع رسمي كامل، محذراً من أن تدهور العلاقات قد يعيد الأزمة الحدودية ويزيد المخاطر الأمنية والاقتصادية كما كانت قبل 2014.














